تزعم الصين أن علاقاتها مع روسيا تنطوي على تعاون وثيق، لكن عندما يتعلق الأمر بمخاوفها الأمنية المتعلقة بصادراتها الضخمة إلى أوروبا، فإن الصين الشعبية تُفضّل عدم الاعتماد على صديقتها المقربة روسيا.
في ديسمبر الماضي، بدأ العمل رسمياً على خط سكة حديد بمليارات الدولارات، يمر عبر قيرغيزستان وأوزبكستان، ويربط الصين بأوروبا بشكل أوثق، متجاوزاً روسيا، وقد يصبح هذا الرابط أكثر أهمية للصين إذا أثرت الحرب التجارية للرئيس الأميركي دونالد ترامب في أسواقها في أميركا. فالصين تبيع فعلاً للاتحاد الأوروبي أكثر مما تبيع للولايات المتحدة، في وقت وجّهت فيه الأزمات من أوكرانيا إلى البحر الأحمر، ضربة قوية لخطط الصين الرامية إلى تحسين البنية التحتية العالمية، وأجبرتها على إعادة هيكلة طرقها التجارية.
النقل بسكك الحديد
بدأ الحديث بشأن بناء خط سكة الحديد الجديدة قبل 30 عاماً، لكن تصميم الصين على إنجازه لم يتعزز إلا بعد الحرب بين روسيا وأوكرانيا عام 2022. وقبل ذلك، كانت خطوط السكك الحديدية الرئيسة للصين مع أوروبا تمر عبر روسيا، وغالباً عبر كازاخستان، إلا أن الحرب جعلت هذا الطريق محفوفاً بالمخاطر، حيث أصيب المتعاملون الأوروبيون بقلق بشأن سلامة شحناتهم وارتفاع تكاليف التأمين، كما أثّرت العقوبات سلباً في قدرة روسيا على الحفاظ على خطوط النقل عبر أراضيها، ما زاد أوقات الرحلات.
بدورها، حولت شركات الشحن التي تسعى إلى تجنّب المرور عبر روسيا، مساراتها نحو موانئ كازاخستان على بحر قزوين، وعلى الطريق العابر لبحر قزوين، أو الطريق الجنوبي المعروف أيضاً باسم «الممر الأوسط».
ومن شأن ربط شبكة قطارات الصين بنظيرتيها في قيرغيزستان وأوزبكستان أن يوفر مساراً آخر أقصر لـ«الممر الأوسط» إلى أوروبا، في وقت توصلت فيه الصين إلى اتفاقات مع كلا البلدين حول كيفية المضي قدماً في خط يبلغ طوله 520 كيلومتراً.
الحزام والطريق
لا يتجاهل الصينيون روسيا، بل يعتبرونها عنصراً أساسياً في مبادرة «الحزام والطريق» العالمية، لبناء البنية التحتية التي أطلقها الرئيس الصيني، شي جين بينغ عام 2013، بعد عام من توليه رئاسة الصين. وكان أحد دوافع ذلك هو تعزيز خطوط السكك الحديدية مع آسيا الوسطى وروسيا لأسباب أمنية، إذ يساعد ذلك على توفير الطاقة والمواد الخام في حالة نشوب حرب مع الولايات المتحدة.
والآن تسعى الصين إلى استغلال «الممر الأوسط» لدواعٍ تجارية، حيث إن الصادرات الصينية تُغذي النمو في البلاد الذي يشهد تراجعاً كبيراً.
ولاتزال الطرق عبر روسيا تمثل شرياناً حيوياً للسلع الصينية، بما في ذلك الآلات اللازمة لمصنعي الأسلحة الروس. ومنذ حرب روسيا مع أوكرانيا، تعثرت التجارة عبر السكك الحديدية بين الصين وأوروبا، حتى مع ازدهار التجارة بين الصين وروسيا. وأصبحت خطوط السكك الحديدية البديلة مع أوروبا، توفر وصولاً أسرع إلى أسواق القارة للسلع الحساسة زمنياً، وفرصة لتعزيز النفوذ الصيني في الدول الواقعة على طول الطريق، كما تمثل السكك الحديدية خطوط إمداد محتملة أكثر مرونة.
النقل البحري والبري
ومنذ أواخر عام 2023، زادت الهجمات على السفن في البحر الأحمر الذي يعد ممراً حيوياً لتجارة الصين مع أوروبا، حيث ترغب الصين في تنويع اقتصادها.
ويقول الباحث في مشروع الصين العالمي نحو الجنوب، وهو مؤسسة بحثية مستقلة، يونس شريفلي: «أظهرت هجمات البحر الأحمر للصين، أن الطرق البحرية لاتزال محفوفة بالمخاطر».
ومن الملاحظ أنه لا يمكن للقطارات أبداً أن تحل محل السفن التي تستطيع واحدة منها أن تحمل حاويات أكثر بكثير. كما لايزال شحن البضائع بحراً أرخص بكثير، في وقت تجنبت فيه بعض السفن خطر الهجمات الصاروخية أو الطائرات المسيرة، بالالتفاف حول «رأس الرجاء الصالح». ومع ذلك، فإن الصين ترغب في التحوط.
الممر الأوسط
سيستغرق بناء الخط الجديد سنوات عدة، في وقت تقول فيه قيرغيزستان، إن الصين ستقدم قرضاً بقيمة 2.35 مليار دولار. وفي غضون ذلك، تعمل الصين ودول أخرى - باستثناء روسيا - على إدخال تحسينات أخرى على «الممر الأوسط»، الذي على الرغم من أنه يوفر رابطاً أقصر بين الصين وأوروبا، فإنه قد يستغرق وقتاً أطول، ويعبر مزيداً من الحدود. وسيعبر أيضاً بحر قزوين، حيث يتم تحميل الحاويات على السفن. ومنذ اندلاع الحرب في أوكرانيا، سعت الصين إلى تطوير هذا المسار.
وقد برز هذا المشروع بشكل واضح في القمة الأولى بين الصين وآسيا الوسطى التي عُقدت عام 2023 في مدينة شيآن الصينية. وكتب باحثان من جامعة لانزو في مجلة نشرتها العام الماضي، معاهد الصين للعلاقات الدولية المعاصرة، وهي فرع من وزارة أمن الدولة: «لم يعد الممر الأوسط مجرد خيار إضافي، بل أصبح تدريجياً قناة نقل رئيسة».
وبين أعوام 2021 و2024، تضاعف حجم الشحن الدولي السنوي عبر طريق بحر قزوين إلى أكثر من الضعف ليصل إلى 55 ألف وحدة مكافئة لـ20 قدماً (المقياس القياسي لحجم الحاويات).
وهذا لا يتجاوز ما تستطيع حمله سفينتان أو ثلاث سفن حاويات عملاقة، إلا أن قيمة التجارة بين الصين وأوروبا المنقولة بالسكك الحديدية عبر جميع الطرق تعد الأكبر، فقد نمت من ثمانية مليارات دولار في عام 2016 إلى 57 مليار دولار في عام 2023، وفقاً للبيانات الصينية، فيما بلغ إجمالي التجارة بين الصين والاتحاد الأوروبي 518 مليار يورو (568 مليار دولار) العام الماضي.
توافق واختلافات
حضرت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، القمة الأولى للاتحاد الأوروبي مع قادة آسيا الوسطى في أوزبكستان في الرابع من أبريل الجاري. وتطرق القادة في محادثاتهم إلى سبل تطوير طريق بحر قزوين، بما في ذلك إمكانية جذب استثمارات أوروبية بمليارات الدولارات. ويسعى الاتحاد الأوروبي أيضاً إلى تجاوز روسيا، ويركز على المواد الخام في آسيا الوسطى، بما في ذلك المعادن النادرة واليورانيوم.
وقد تتفق أوروبا والصين على ضرورة تجاوز روسيا، لكنهما تختلفان في أمور أخرى كثيرة. فبالنسبة لأوروبا، تُمثّل روسيا تهديداً وجودياً، بينما تظل حليفاً للصين. وعلى الرغم من كل توتراتهم مع أميركا، فإنه من المرجح أن يلتزم الأوروبيون بالجهود الأميركية لحصار الصين، في حال اندلاع حرب في آسيا.
وفي غضون ذلك، أصبحت أهم إمدادات الصين المتمثلة في النفط والغاز من روسيا وآسيا الوسطى، مؤمنة بشكل أفضل. وهذا يُفسر لماذا وصف وزير الخارجية الصيني، وانغ يي، روسيا والصين هذا الشهر بأنهما «صديقان للأبد، لا عدوان أبداً». قد تُحوّل الصين وجهة صادراتها، لكن العلاقة السياسية لاتزال قائمة بثبات. عن «الإيكونوميست»
تركيا.. بوابة للأسواق الأوروبية
تشير صحيفة «الإيكونوميست» في تقريرها إلى وجود اختناقات في النقل، أحدها في بحر قزوين، حيث يوجد نقص في السفن. إلا أنه يمكن لهذا الطريق أن يتجنب البحر، بالمرور عبر إيران، لكن ذلك ينطوي على مخاطر سياسية كتلك الموجودة في روسيا. وعلى الرغم من أن تركيا تُقدّم طريقاً آمنة نسبياً، فإن بنيتها التحتية تحتاج إلى كثير من العمل لاستدامة أحجام كبيرة من حركة الشحن. وهي تُرتب تمويلاً لخط سكة حديد جديدة عبر مضيق البوسفور. ويقول المسؤولون الأتراك إنهم سيرحبون بمشاركة الصين في المشروع، فيما تعتقد الصين أن تركيا بمثابة بوابة للأسواق الأوروبية، وتحرص على عدم التأثير في مسارها.
من جانبه، يحرص الاتحاد الأوروبي على تحسين خطوط السكك الحديدية مع آسيا الوسطى والصين، على الرغم من شكوكه بشأن السياسات الصناعية الصينية، وتنامي نفوذها السياسي. ويؤكد الاتحاد الأوروبي أن الممر عبر تركيا يتوافق مع أهداف مشروعه الخاص لإنشاء البنية التحتية التي يطلق عليها «البوابة العالمية».
. الاتحاد الأوروبي يسعى إلى تجاوز روسيا ويركز على المواد الخام في آسيا الوسطى، بما في ذلك المعادن النادرة واليورانيوم.
. أوروبا والصين قد تتفقان على ضرورة تجاوز روسيا، لكنهما تختلفان في أمور أخرى كثيرة، فروسيا تمثّل تهديداً وجودياً لأوروبا، بينما تظل موسكو حليفة للصين.
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة الامارات اليوم ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من الامارات اليوم ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.