قبل نحو عقدين من الزمن، كان التحليل الفني بمثابة البوصلة التي يهتدي بها المتداولون حيث كان المستثمرون يعتمدون على أنماط متعددة مثل "الرأس والكتفين" أو تقاطع خطوط المتوسطات المتحركة لاتخاذ قراراتهم، طامحين إلى تحقيق الأرباح استنادًا إليها.
لكن اليوم، ومع السرعة الهائلة التي تتحرك بها الأسواق وظهور التداولات الآلية والخوارزميات الذكية، بدأ كثيرون يتساءلون: هل ما يزال التحليل الفني مفيدًا في هذا العالم المتغير؟
فما شهدناه خلال أسبوع التداول الأخير في بورصة وول ستريت يعد مثالًا حيًا على التحديات التي يواجهها التحليل الفني في عصر التداول فائق السرعة.
ففي وقت قصير، تسببت التقلبات الشديدة في أسعار الأسهم نتيجة قرارات رئيس الولايات المتحدة، دونالد ترامب، بشأن التعريفات الجمركية، في تحركات غير متوقعة في السوق.
للاطلاع على المزيد من المواضيع والتقارير في صفحة مختارات أرقام
كانت هذه التحركات أسرع بكثير من أن يتمكن المتداولون التقليديون من تحليلها باستخدام المؤشرات الفنية التقليدية مثل "الرأس والكتفين" أو "التقاطع في المتوسطات المتحركة".
في تلك اللحظات، كانت الخوارزميات الذكية المدعومة بالذكاء الاصطناعي هي التي تحرك الأسواق بسرعة، حيث تستجيب لتحركات الأسعار في زمن قياسي، بعكس الاستراتيجيات التي تعتمد على التحليل الفني وتحتاج وقتا أطول للتفاعل مع التغيرات المفاجئة.
وقد أظهر هذا التطور في التداول كيف أن أدوات التحليل الفني، التي كانت تعتبر منذ فترة طويلة محورية في اتخاذ القرارات الاستثمارية، قد تواجه صعوبة في مواكبة السرعة العالية التي تجرى بها صفقات اليوم.
لا مجال للبطء في اتخاذ القرارات
أشعل إعلان الرئيس الأميركي "دونالد ترامب" أمس الأربعاء تعليق الرسوم الجمركية على بعض الشركاء التجاريين مؤقتاً، أكبر موجة شراء شهدتها "وول ستريت" منذ عام 2008
.
وصعد مؤشر "إس آند بي 500" بنسبة 9.5% في ارتداد تاريخي عن موجة بيع ضخمة التهمت تريليونات الدولارات من أسعار الأسهم حول العالم، على وقع مخاوف من اندلاع حرب تجارية قد تدفع الاقتصاد الأمريكي إلى الركود.
أما مؤشر ناسداك فارتفع بنسبة 12% وسط حالة من الارتياح التي سادت وول ستريت، بعد أربعة أيام من تداولات متقلبة ومكثفة، لترتفع تقريباً كل الأسهم المدرجة ضمن مؤشرات وول ستريت الرئيسية.
وقبل إعلان تأجل التعريفات الجمركية سادت موجة تراجع الأسواق العالمية منذ يوم الخميس الماضي حيث تدهورت أسعار الأسهم بشكل ملحوظ بفعل القلق المتزايد من التعريفات الجمركية التي فرضتها الولايات المتحدة الأسبوع الماضي.
تزامن ذلك مع تفاقم المخاوف من تأثير هذه التوترات على النمو الاقتصادي العالمي، ما دفع العديد من المستثمرين إلى اتخاذ مواقف دفاعية، بما في ذلك زيادة حجم البيع في أسواق الأسهم، وتسبب هذا الانخفاض الحاد في أسعار الأسهم في تشديد الضغوط على المستثمرين.
تلك الأحداث الأخيرة تظهر أن التحليل الفني، رغم فعاليته في بعض الأوقات، قد يواجه تحديات كبيرة في العصر الرقمي الذي تسوده الخوارزميات والتداول عالي السرعة، ما يشير إلى تحديات التي يواجهها هذا الأسلوب التقليدي في مواجهة الواقع الجديد للأسواق.
ففي الأسواق الحديثة، تنفذ خوارزميات التداول عالي التردد ما يصل إلى 100 ألف صفقة في الثانية الواحدة، وأحيانًا خلال أقل من 10 ميكرو من الثانية.
وتستثمر شركات ضخمة مئات الملايين في تقنيات تقارب سرعة الضوء مثل الألياف الضوئية وأبراج الإشارات اللاسلكية، بل وتمد كابلات خاصة تحت البحر، فقط لتقليل الوقت الذي تستغرقه المعلومات للوصول من مكان إلى آخر بجزء صغير جدًا من الثانية.
والتأخير الزمني هو الزمن الذي تستغرقه البيانات للوصول من جهاز إلى آخر، ففي عالم التداول، حتى فرق مثل جزء من ألف من الثانية يمكن أن يكون الفارق بين صفقة رابحة وأخرى خاسرة.
لذا تحاول هذه الشركات جعل اتصالاتها بأسرع ما يمكن لتسبق غيرها في تنفيذ أوامر البيع والشراء.
وفي عالم التداول السريع الذي تتحرك فيه الأسعار خلال أقل من ثانية، يبدو الاعتماد على مؤشر القوة النسبية (آر إس آي) -وهو أداة تقليدية من أدوات التحليل الفني- وكأنك تحاول إيقاف قطار فائق السرعة باستخدام مظلة صغيرة.
فعلى سبيل المثال، أن تنتظر وصول مثل هذا المؤشر إلى مستوى 70 من أجل اتخاذ قرار البيع، قد يكون متأخرًا جدًا في زمن تُنفّذ فيه الصفقات الضخمة خلال جزء من الألف من الثانية عبر خوارزميات متقدمة.
وهو ما يعني أن المؤشر، رغم فائدته في الأسواق التقليدية، لم يعد كافيًا وحده لمجاراة سرعة تحركات السوق الحديثة.
التحليل الفني في زمن الخوارزميات
وفي هذا السياق، أظهرت دراسة حديثة صادرة عن جامعة نيويورك في عام 2023 أن الاستراتيجيات المبنية على مؤشرات فنية تقليدية مثل "إم إيه سي دي"، و"آر إس آي"، و"بولينجر باندز"، لا تزال قادرة على تحقيق بعض العوائد، ولكن ضمن بيئات محددة.
فقد أظهرت هذه الاستراتيجيات أن متوسط العائد الشهري لها بلغ 0.4% في الأسواق الناشئة، مقابل عائد سلبي بلغ -0.1% في الأسواق المتقدمة.
كما أظهرت الدراسة تراجعًا ملحوظًا في فعاليتها بعد عام 2018، خصوصًا في بورصات مثل "وول ستريت"، حيث أصبحت عمليات التداول محكومة إلى حد كبير بأنظمة الذكاء الاصطناعي والتداول عالي التردد.
جدول مقارنة بين التحليل الفني والخوارزميات الحديثة: | ||||
العامل |
| التحليل الفني التقليدي |
| الخوارزميات الحديثة |
السرعة |
| بطء نسبي (تستغرق وقتًا للتحليل) |
| سرعة فائقة (مئات الآلاف من الصفقات في الثانية) |
الأنماط المستخدمة |
| أنماط الرسم البياني (مثل الرأس والكتفين، القاع المزدوج) |
| تدفق الأوامر اللحظي وتحليل المعنويات |
التحليل المستخدم |
| تحليلات مرئية وإحصائية |
| الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات الضخمة |
الإطار الزمني |
| أطر زمنية متوسطة أو طويلة |
| صفقات فورية مع أقل تأخير زمني |
الاعتماد على البيانات |
| بيانات تاريخية وأسعار إغلاق |
| بيانات لحظية وتحليل معنوي (مثل الأخبار ووسائل التواصل الاجتماعي) |
فالخوارزميات الحديثة لا تهتم بمراقبة "مثلث صاعد" على الرسم البياني، ولا تنتظر تشكل "القاع المزدوج" لتتخذ قرارًا، فهي لا تلتفت إلى الأنماط البصرية بقدر ما تركز على تدفق الأوامر اللحظي، والبنية الدقيقة لحجم الطلبات، وردود الفعل الفورية على الأخبار.
وتقرأ الخوارزميات الحديثة السوق بطريقة مختلفة تمامًا، إذ تراقب نبضه بالجزء من الثانية، وتتفاعل مع أدق التغيرات التي قد لا تنتبه لها العين البشرية.
كما تبني قراراتها بناء على تحليل معنوي فوري يجمع بين النصوص الإخبارية، ومنشورات التواصل الاجتماعي.
وفي هذا العالم الذي تتحكم فيه السرعة، تبدو أدوات التحليل الفني التقليدية كما لو أنها تحاول إيقاف قطار سريع باستخدام مظلة صغيرة.
فالانتظار حتى يتقاطع مؤشر "آر إس آي" مع مستوى السبعين والذي كان يعتبر إشارة قوية للبيع في التحليل الفني التقليدي، لم يعد كافيًا لاتخاذ قرار تداول.
وفي عصر التداول السريع، تتغير الأسواق بسرعة هائلة لدرجة أن هذه الإشارات الفنية قد تأتي متأخرة جدًا، ومع ذلك، لا يعني هذا أن التحليل الفني قد انتهى دوره تمامًا.
فهناك مجالات لا يزال فيها مفيدًا، لا سيما في الأطر الزمنية المتوسطة مثل التداول اليومي أو الأسبوعي، وفي الأسواق ذات السيولة المنخفضة أو تلك التي لم تصلها تقنيات التداول عالي التردد بعد.
كذلك، يستخدمه العديد من المتداولين كمكمل لتحليلات أخرى، مثل التحليل الأساسي، وتحليل الأخبار، والنماذج الكمية.
بل إن بعض المحللين الفنيين بدأوا بتطوير أدواتهم عبر لغات برمجة مثل "بايثون" و"آر"، لإنشاء استراتيجيات آلية يتم اختبارها على بيانات تاريخية تمتد لعشرات السنين.
ولم يعد السؤال هو: "هل التحليل الفني يعمل؟" بل أصبح: "كيف يمكن توظيفه بذكاء؟". فالرسم البياني وحده لم يعد يكفي، والخطوط المائلة لم تعد تحرّك الأسواق.
لذا فإن من يرغب في البقاء ضمن اللعبة، عليه أن يُعيد تعريف أدواته، و يحوّل حدسه الفني إلى خوارزميات قابلة للتنفيذ، وأنماطه إلى تعليمات قابلة للبرمجة، وردود فعله إلى نظم قابلة للاختبار والتكرار.
فالمستقبل ليس للعين التي ترى "الرأس والكتفين"، بل للعقل الذي يحوّل هذا الشكل إلى معادلة يمكن تشغيلها آلاف المرات في الثانية.
وأصبح النجاح في سوق اليوم لا يتطلب أن تكون بارعًا في قراءة الشموع فقط، بل يجب أن تمتلك القدرة على تحويلها إلى أوامر أو قواعد آلية يمكن للحاسوب تنفيذها بسرعات عالية.
المصادر: أرقام- ذا تايمز- ماركت وتش- جامعة شيكاغو- معهد المحللين الماليين المعتمدين- انفستوبيديا
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة ارقام ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من ارقام ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.