08 أبريل 2025, 11:12 صباحاً
مليارات الدولارات، حفلات تنصيب باذخة، ومغازلة سياسية غير مسبوقة...كل هذا لم يكن كافيًا لعمالقة وادي السيليكون، وعلى رأسهم رؤساؤهم التنفيذيون، لكسب ود الرئيس دونالد ترامب في الأشهر الأولى من ولايته الثانية. فبعد استثمار ضخم في بناء الجسور مع الإدارة الجمهورية، تجد شركات التكنولوجيا الأكبر في العالم نفسها في مواجهة سياسات تضرب في صميم مصالحها، مما يثير تساؤلات حول جدوى استراتيجيتها الجديدة وانعكاساتها على مستقبل القطاع الأكثر ديناميكية في الاقتصاد العالمي.
استثمار مكلف
أنفقت النخبة التكنولوجية بسخاء، متجاوزةً بذلك نهج المواجهة الذي ساد خلال ولاية ترامب الأولى. تبرعات بملايين الدولارات لحفل التنصيب، عشاءات فاخرة، وحتى السماح للرئيس بنسب الفضل إليه في مشروعات تصنيع بمليارات الدولارات؛ كلها كانت جزءًا من محاولة محسوبة لتغيير المسار، أملاً في أن تقابل هذه الودية بمرونة تنظيمية واحترام أكبر للقطاع الذي غالبًا ما يُنظر إليه بعين الريبة من قِبل الإدارة، وفقًا لصحيفة "نيويورك تايمز".
والتحول في استراتيجية شركات التكنولوجيا الكبرى، مثل ابل وأمازون وميتا وجوجل ومايكروسوفت، كان لافتًا. فبعد سنوات من التوتر، وأحيانًا العداء الصريح، خلال فترة ترامب الأولى، قرر قادة هذه الإمبراطوريات الرقمية سلوك طريق المديح والاسترضاء. كانوا يأملون، على ما يبدو، أن يُظهر الرئيس، المعروف بميله لمكافأة الحلفاء ومغازلة القطاعات التي تظهر له الولاء، تفهمًا أكبر لاحتياجاتهم، وربما يمد إليهم يد رفع القيود التنظيمية، كما فعل مع صناعات أخرى كالطاقة والسيارات.
سياسات معاكسة
وارتكزت هذه الآمال على قراءة مفادها أن الإدارة، في ولايتها الثانية، قد تكون أكثر براغماتية واستعدادًا للتعاون مع قطاع حيوي للاقتصاد الأمريكي. لكن الواقع، بعد أقل من ثلاثة أشهر على بدء الولاية، جاء ليقص شريطًا مختلفًا تمامًا. فاللفتات السخية التي قدمتها شركات التكنولوجيا لم تُترجم إلى سياسات صديقة، بل يبدو أنها قوبلت بتجاهل، وربما بازدراء، تمثل في سلسلة من القرارات التي هددت مصالحها بشكل مباشر.
وجاءت الضربة الأولى والمباشرة عبر فرض تعريفات جمركية واسعة النطاق. هذه الخطوة، التي أُعلنت الأسبوع الماضي، من المتوقع أن تضع ضغوطًا هائلة على سلاسل التوريد المعقدة لشركات مثل ابل، التي تعتمد بشكل كبير على المكونات والتصنيع في الخارج، مما قد يرفع تكلفة منتجاتها الشهيرة مثل هواتف آيفون. كما أنها ستزيد من تكلفة بناء وتشغيل مراكز البيانات وأجهزة الكمبيوتر العملاقة اللازمة لتطوير وتشغيل تقنيات الذكاء الاصطناعي، وهو مجال استراتيجي تتنافس فيه بقوة شركات أمازون وميتا وجوجل ومايكروسوفت.
تداعيات مالية
ولم يتوقف الأمر عند التعريفات. فقد أقدمت الإدارة على خفض التمويل الفيدرالي المخصص لدعم الأبحاث في التقنيات الناشئة والحاسمة للمستقبل، مثل الذكاء الاصطناعي والحوسبة الكمية. هذا التخفيض يثير قلقًا عميقًا في وادي السيليكون، حيث يُنظر إلى الدعم الحكومي للأبحاث الأساسية كعامل حاسم للحفاظ على التفوق التكنولوجي الأمريكي. إضافة إلى ذلك، أثارت القيود المشددة على الهجرة مخاوف جدية من تعطيل تدفق المواهب والكفاءات العالية التي يعتمد عليها قطاع التكنولوجيا بشكل كبير لتغذية ابتكاراته.
ولم تكن تداعيات هذه السياسات مجرد مخاوف مستقبلية، بل انعكست بشكل فوري ومؤلم على أسواق المال. فمنذ حفل تنصيب الرئيس، شهدت القيمة السوقية المجمعة لأكبر خمس شركات تكنولوجية (أمازون، ابل، جوجل، ميتا، ومايكروسوفت) انخفاضًا حادًا بنسبة 22 %، لتهبط إلى نحو 10 تريليونات دولار. هذا التراجع الكبير يمحو مئات المليارات من القيمة السوقية ويعكس قلق المستثمرين العميق. وبشكل موازٍ، انخفض مؤشر ناسداك، الذي تهيمن عليه أسهم شركات التكنولوجيا، بنسبة 21 %، مما يؤكد حجم الضربة التي تلقاها القطاع.
تحول استراتيجي
وهذه الخسائر المالية الضخمة تأتي بالتزامن مع إشارات واضحة من إدارة ترامب بأنها لا تنوي التراجع عن موقفها التنظيمي المتشدد تجاه ما تُعده "قوة مفرطة" لشركات التكنولوجيا الكبرى. وتُعد المحاكمة التاريخية المرتقبة لمكافحة الاحتكار ضد شركة ميتا (المالكة لفيسبوك وإنستغرام وواتساب)، والتي تهدف إلى تقسيم الشركة والمقرر أن تبدأ الأسبوع المقبل، دليلاً قاطعًا على أن شهر العسل، الذي راهنت عليه شركات التكنولوجيا، لم يبدأ أصلاً، أو أنه انتهى قبل أن يبدأ.
يمثل هذا الصدام المبكر بين إدارة ترامب وشركات التكنولوجيا تحولاً دراماتيكيًا عن الديناميكيات التي سادت في السنوات السابقة. فالمحاولة الجريئة لتغيير قواعد اللعبة عبر الاسترضاء والإنفاق السياسي لم تُسفر عن النتائج المرجوة، بل وضعت الشركات في موقف حرج، حيث تبدو استثماراتها في التقارب وكأنها ذهبت أدراج الرياح.
والآن، يواجه قادة وادي السيليكون معضلة حقيقية. لقد راهنوا على أن لغة المال والمصالح يمكن أن تتغلب على الخلافات الأيديولوجية والسياسية، لكن يبدو أن حساباتهم كانت خاطئة، أو على الأقل، غير كافية في مواجهة أجندة رئاسية لها أولوياتها الخاصة. فهل يعيد عمالقة التكنولوجيا حساباتهم في التعامل مع الساحة السياسية المتقلبة في واشنطن، أم أنهم سيواصلون البحث عن طرق جديدة للتأثير، مدركين أن العلاقة مع السلطة قد تكون دائمًا محفوفة بالمخاطر وغير مضمونة العواقب؟
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة صحيفة سبق الإلكترونية ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من صحيفة سبق الإلكترونية ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.