تم النشر في: 07 أبريل 2025, 8:26 مساءً تُعدُّ بيئة العمل من أكثر البيئات التي تتطلب توازنًا دقيقًا بين الحرص والجدية والمرونة والشعور بالمسؤولية، والرسمية والتباسط ورفع الكلفة (الميانة أو المونة). إن من أبرز القيم التي يجب أن تكون في هذه البيئة قيمة الاحترام، التي تعتبر الأساس في بناء علاقات مهنية قوية وصحية؛ فالاحترام لا يعني فقط استخدام الألفاظ المهذبة أو الالتزام بالآداب العامة، بل يشمل أيضًا تقدير الآخر، والاعتراف بجهوده، والتعامل معه برُقي ولباقة وإنصاف، بغض النظر عن منصبه الوظيفي أو جنسيته أو ديانته أو موقعه الجغرافي. الاحترام في بيئة العمل يظهر في مظاهر متعددة، منها المقابلة باهتمام، والاستماع الجيد للزملاء، وتجنب السخرية أو الاستهزاء، والابتعاد عن استخدام الكلمات الجارحة، واحترام الخصوصية وعدم التدخل في الشؤون التي لا يريد الزميل الحديث عنها، ومراعاة وقت الزميل، وتقدير مسألة التنوع في الآراء والخبرات. وجود هذه المظاهر يخلق جوًّا من الثقة والراحة النفسية، ويشجع الموظفين على الأداء العالي والعطاء والتعاون بروح الفريق الواحد. هناك مفاهيم قد يساء فهمها أو تُمارَس بشكل خاطئ، منها مفهوم "رفع الكلفة"، أو ما يعرف بالتباسط والتودد بين الزملاء، أو ما يسمى في المجتمع (الميانة). رفع الكلفة يعني زوال الرسمية الزائدة، ووجود نوع من الألفة والتلقائية والعفوية في التعامل، وهو أمر إيجابي ومحمود في كثير من الأحيان؛ إذ يخفف من التوتر والخوف، ويعزز الترابط الإنساني داخل المؤسسة.. لكن الخطورة تكمن حين يُفهم رفع الكلفة على أنه مبرر للتجاوز في الأقوال أو الأفعال، أو وسيلة للسخرية والتقليل من شأن الآخرين تحت مسمى "المونة" أو "الضحك والمزاح"؛ فهذا ما يقود إلى كثير من المشاكل والنفور بين فريق العمل، والضغينة غير المعلنة؛ وهذا يقود إلى فقدان البعض الرغبة في الأداء بكفاءة، وكذلك كراهية بيئة العمل. المزاح والتباسط في بيئة العمل ليسا مرفوضَين، بل قد يكونان دليلاً على الألفة والمحبة بين الزملاء، لكن بشرط أن يبقيا في إطار الاحترام المتبادل، وألا يُستخدما كمبرر للتعدي اللفظي أو الإساءة غير المقصودة. فالزمالة لا تُسقط الكرامة، (والميانة) لا تبرر الإهانة. ويجب أن لا تتحول (المونة) إلى تنمُّر واعتداء على الآخرين؛ لذلك من المهم نشر ثقافة الاحترام داخل المؤسسات من خلال القدوة الحسنة من الجميع، وخصوصًا الموظفين القدامى، وتطوير سلوكيات الموظفين بالدورات التدريبية، وتفعيل لوائح السلوك المهني، وتشجيع الموظفين على التعبير عن انزعاجهم من أي تصرفات غير لائقة، حتى وإن كانت بدافع التباسط. كما ينبغي على كل فرد أن يدرك أن بناء علاقات صحية في بيئة العمل يتطلب مزيجًا من اللطف والانضباط، ومن الألفة والرقي. وكما يقول الشاعر الشعبي (امزح ولكن خل مزحك في حدود..... ومن لا يحب المزح لا تمزح معه). وفي النهاية، رفع الكلفة لا يعني أبدًا إسقاط الاحترام، بل هو اختبار حقيقي لقدرتنا على الجمع بين المهنية العالية والاحترافية في العمل، والبساطة في الحديث والسمو في التعامل.