«عندما يقترح أحدهم فرض الرسوم الجمركية على الواردات الأجنبية، يبدو كأنه يقوم بعمل وطني لحماية المنتجات والوظائف الأمريكية.. هذا قد ينجح لفترة قصيرة فقط، لكن ما يحدث في النهاية هو التالي، تبدأ الصناعات المحلية بالاعتماد على الحماية الحكومية بدعم الرسوم الجمركية المرتفعة، فتتوقف عن التطوير والمنافسة».
«وأثناء كل هذا، يحدث الأسوأ: تؤدي الرسوم الجمركية المرتفعة حتماً إلى إجراءات انتقامية من الدول الأجنبية، واندلاع حروب تجارية شرسة، وارتفاع الأسعار بشكل مصطنع نتيجة الرسوم التي تدعم الكفاءة الضعيفة وسوء الإدارة، وتؤدي إلى توقف الناس عن الشراء، ثم يحدث الأسوأ: تنكمش الأسواق وتنهار، تُغلق الشركات والصناعات، ويفقد ملايين الناس وظائفهم».
ما تقدم ليس تحليلي، وليس تحليل الخبراء والمسؤولين في الدول المتضررة من رسوم ترامب الجمركية أيضاً، إنه كلام وقناعة ومبادئ الرئيس الأمريكي الأسبق رونالد ريغان، ومن لا يتذكر ريغان، فهذا الرئيس صاحب نظرية العولمة وانفتاح الأسواق والتجارة الحرة والمنافسة، التي تبناها هو والمرأة الحديدية رئيسة الوزراء البريطانية مارجريت تاتشر، وأصبحت أساساً للتعاملات الاقتصادية العالمية من منتصف الثمانينات.
الآن بعد 40 عاماً يخرج علينا الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ويقول للعالم، هذه النظرية لم تعد تفيد، فالصناعات الوطنية الأمريكية هي الأساس، ومنها وبها يزدهر الاقتصاد الأمريكي ومعه العالمي، وغير ذلك عبث، لأن أمريكا مديونة ب 36 تريليون دولار، ولم يتبق أمامها إلا سد العجز بزيادة الرسوم الجمركية.
أكيد أن زيادة الرسوم الجمركية ستزيد دخل الحكومة وتقلص حجم الواردات، لكنه من المؤكد أنها لن تعطي أفضلية للصناعات الوطنية، لأن جزءاً كبيراً من مكوناتها يأتي من الواردات الخارجية، ما يضعف تنافسيتها السعرية حتى بتعرفة جمركية أعلى على منافسيها الأجانب، حيث لا يوجد في الصناعة الأمريكية إنتاج وطني كامل بما في ذلك السيارات والطائرات والمحركات والهواتف وأجهزة الكومبيوتر وووو.
الجانب الأسوأ في مثل هذه الرسوم أن المتضرر الأكبر سيكون هو المستهلك الأمريكي الذي سترتفع عليه الأسعار سواء اشترى منتجات أمريكية أو أجنبية مستوردة، ما يعني أن التضخم سيرتفع ولن تتمكن الحكومة بأدواتها المالية المتعددة من السيطرة عليه، ما يؤدي إلى تقلص النمو والتحول إلى انكماش مع ضعف الطلب الاستهلاكي وتقلص إنتاج المصانع الأمريكية.
هذا في أمريكا، أما في بقية العالم، فإن أمراً مماثلاً سيحدث في ارتفاع الأسعار وضعف الطلب وتقلص الإنتاج، ما يصيب العالم بحالات ركود تختلف شدتها من منطقة إلى أخرى ومن دولة إلى ثانية، والسبب مجدداً، الرسوم الجمركية والحمائية، والانطوائية، والشعبوية.
وفي إماراتنا وخليجنا، فإن الإصابات ستلحق بنا، وإن كنا بين الدول الأقل تأثراً، لكن النفط يرجح أن يدفع الثمن مع تراجع الأسعار والطلب العالمي ما يؤثر في موازنات وإنفاق دول المنطقة، وستشهد دولنا تراجعاً في أحجام التجارة الخارجية، وفي تدفقات الاستثمارات العالمية التي ستعاني أصلاً ضعفاً في موطنها.
ويبقى الأمل قائماً على ترامب وإدارته لإعادة النظر بالرسوم الجمركية الجديدة، حيث عودنا في ولايتيه الأولى والثانية على أنه لا يمانع على أساس خلفيته في عالم الأعمال من أن يغير رأيه إذا وصل إلى اتفاقات وتفاهمات مع المفاوضين، أو إذا أدرك أنه لن تكون هناك طائلة من الصراع.
ومع ذلك يجب ألا ننسى أن الإمارات استطاعت في السنوات الثلاث الماضية بناء شراكات استراتيجية مفيدة مع عدد من دول العالم، وهو أمر يحسب لها، وألا ننسى أن شراكتها مع الولايات المتحدة ليست حتى في المراتب الخمس الأولى في قائمة الشركاء التجاريين، وعلينا أن ندرك أن المحن والأزمات تولد الفرص، وقد تكون أزمة رسوم ترامب الجمركية المرتفعة، فرصة يمكن البناء عليها.
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة صحيفة الخليج ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من صحيفة الخليج ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.