لودوفيك سوبران * بدأ الرئيس دونالد ترامب ولايته الثانية بدعوة قوية لتعزيز سيادة الولايات المتحدة في قطاعي التصنيع والتكنولوجيا، من خلال تشديد ضوابط الاستيراد وإعادة الإنتاج إلى الداخل.هذه المبادرة، التي اتسمت بسلسلة من التعريفات الجمركية المستهدفة، تُجبر الشركات على إعادة النظر في قراراتها الإنتاجية والاستثمارية. كما أنها تُثير قلق «وول ستريت»، حيث يشعر المستثمرون بعدم اليقين إزاء الآثار طويلة المدى لهذه التحولات الجذرية. وهذا التباين بين الاستثمارات المباشرة، والاستثمارات في المحافظ، يجعل من الصعب التنبؤ بتوقعات سياسات الإدارة الأمريكية للاقتصاد.وسارعت الإدارة الأمريكية الحالية إلى فرض رسوم جمركية جديدة، أبرزها 20% على السلع الصينية، بالإضافة إلى تهديدات بفرض أخرى محتملة بنسبة 25% على واردات الأدوية والرقائق. وعلى الرغم من تباين المبررات القانونية المحددة لهذا الإجراء، إلا أن الإدارة بررته على نطاق واسع بأنه ضروري للأمن القومي والاستقلال الاقتصادي وخلق فرص العمل.وقد شجع ترامب مراراً وتكراراً الشركات التي كانت تعتمد سابقاً على الإنتاج الخارجي على تكثيف التصنيع في الولايات المتحدة. وكان الرد الفوري عظيماً، حيث سارعت كل من الشركات الأمريكية والأجنبية إلى مبادرات الاستثمار في جميع أنحاء الولايات المتحدة. وكانت شركات التكنولوجيا العملاقة في طليعة هذه الحركة، مع إعلانها عن استثمارات بمليارات الدولارات للتخفيف من آثار التعريفات الجمركية.وركبت شركة «أبل» الموجة في فبراير/شباط، بتعهد استثماري لأربع سنوات قيمته 500 مليار دولار، يهدف لبناء مصنع ضخم في تكساس لإنتاج معدات خوادم الذكاء الاصطناعي المتقدمة التي كانت تُصنّع سابقاً في الصين. وفي مارس/آذار، أعلنت شركة «تايوان لصناعة أشباه الموصلات» عن استثمار ب 100 مليار دولار لبناء خمسة مصانع جديدة في الولايات المتحدة، على الرغم من أن ترامب قال إنه يريد إنهاء الدعم المقدم لمصنعي الرقائق بموجب قانون الرقائق في عهد بايدن. كما تعهدت مجموعة «سوفت بنك» اليابانية باستثمار 100 مليار دولار لدعم مشاريع الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا في الولايات المتحدة. كل هذه الاستثمارات تعكس تحولاً استراتيجياً مدفوعاً بالرسوم الجمركية، ووعداً ببيئة تصنيع محلية أكثر ملاءمة.بدورها، استجابت صناعة الأدوية سريعاً. حيث أعلنت شركة «إيلي ليلي» عن أكبر استثمار توسعي في صناعة الأدوية في تاريخ الولايات المتحدة، متعهدةً بتخصيص 27 مليار دولار لبناء أربعة مصانع ضخمة. وحذت شركتا «أمجين» و«ميرك» حذوها باستثمارات كبيرة في ولاية كارولينا الشمالية، بهدف زيادة الإنتاج المحلي للتخفيف من الاضطرابات المحتملة الناجمة عن الرسوم الجمركية المقترحة على الأدوية المستوردة.تؤكد هذه الخطوات على مدى رغبة الشركات على التكيف مع التحول في السياسة التجارية في ظل الإدارة الجديدة، وإعطاء الأولوية لعملياتها في الولايات المتحدة لتأمين سلاسل التوريد الخاصة بها. لكن في حين أن هذه التطورات تبشر بالخير لقطاع التصنيع الأمريكي، إلا أنها لم تُهدئ من روع مستثمري سوق الأسهم، الذين يشعرون بالقلق إزاء التأثير المحتمل على هوامش الربح من ارتفاع تكاليف التشغيل في الولايات المتحدة.وانخفضت مؤشرات الأسهم في أعقاب رسوم السيارات، مستأنفةً تراجعها الذي بدأ في فبراير، عندما أعلن ترامب عن رسوم كندا والمكسيك. وتواجه الشركات أجوراً أعلى بكثير في الولايات المتحدة مقارنة بمناطق مثل آسيا، ما يجعل التصنيع أكثر تكلفة. وتزيد المتطلبات التنظيمية المعقدة والضرائب المرتفعة نسبياً على الشركات في الولايات المتحدة من تعقيدات التشغيل وتقلل من الكفاءة.* كبير مسؤولي الاستثمار في شركة «أليانز» وزميل في كلية كينيدي بجامعة هارفارد «بارونز»