في غضون ثلاثة أشهر فقط، انقلبت الأسواق المالية رأسًا على عقب، فبعد فوز الرئيس "دونالد ترامب" بالانتخابات الأمريكية، انطلقت موجة من التفاؤل دفعت بورصة وول ستريت وسوق العملات المشفرة إلى مستويات قياسية.
ولكن سرعان ما تحولت هذه المكاسب إلى تقلبات حادة، مما طرح تساؤلات جوهرية: هل تغيرت قواعد اللعبة في الأسواق العالمية؟
فالمرشح الجمهوري دعا مرارًا خلال حملاته الانتخابية إلى خفض أسعار الفائدة، وجذب مزيد من الاستثمارات الأجنبية لبلاده، وزيادة حجم الصناعات المحلية، وتكوين احتياطي استراتيجي من عملة البتكوين، وهو ما دعم أداء كلٍ من وول ستريت وسوق العملات المشفرة.
وفور إعلان فوزه، حققت السوق الأمريكية والعملات المشفرة، موجة مكاسب قوية مدفوعة بتلك الوعود الاقتصادية.
للاطلاع على المزيد من المواضيع والتقارير في صفحة مختارات أرقام
لكن خلال أقل من 3 أشهر بعد توليه رئاسة الولايات المتحدة، صاحبة أكبر اقتصاد وسوق مالية في العالم، شهدت أسواق الأسهم تقلبات حادة ومفاجآت غير متوقعة، في حين سجلت العملات المشفرة تذبذبات كبيرة.
أسواق الأسهم العالمية
تأثرت العديد من البورصات حول العالم جراء التقلبات في وول ستريت، مدفوعة بمخاوف المستثمرين من إمكانية حدوث ركود في الاقتصاد الأمريكي، ودخول الولايات المتحدة في صراعات تجارية مع دول مثل الصين مما قد يؤثر على الاقتصاد العالمي.
وتسببت تقلبات وول ستريت في تراجع مؤشر داو جونز الصناعي بنحو 2% خلال الثلاثة أشهر الأولى من رئاسة ترامب، كما تراجع مؤشر ناسداك بنسبة 10% خلال الفترة نفسها.
في المقابل نجا مؤشر إس آند بي من الخسائر، إذ ارتفع بنحو 5% خلال الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2025، لكنه لا يزال بعيدًا عن أفضل مستوياته التي سجلها في العام الجاري والتي سجلها خلال فبراير الماضي بنحو 9%.
تحركات سعر أسهم السبع الكبار في وول ستريت خلال 3 أشهر (بالدولار الأمريكي)
اسم الشركة | 2 يناير | 30 مارس | أعلى سعر خلال تلك الفترة |
نيفيديا | 138.3 | 109.7 | 147.1 |
ميتا | 599.2 | 576.7 | 736.7 |
ألفابيت | 190.6 | 156.1 | 207.7 |
تسلا | 379.3 | 263.6 | 428.2 |
أمازون | 220.2 | 192.7 | 242.1 |
أبل | 243.8 | 217.9 | 247.1 |
مايكروسوفت | 418.6 | 378.8 | 447.2 |
وفي هذا الإطار صرح "نيكولاس فورست"، كبير مسؤولي الاستثمار في شركة "كاندريام لإدارة الصناديق متعددة الأصول" في تصريحات نقلتها رويترز، بأن الطريقة التي غيّرت بها الأسواق مسارها كانت لافتة للنظر.
وأشار إلى أنه في حين كان الخطر الرئيسي في يناير يتمثل في أن سياسات ترامب "أمريكا أولاً" ستدفع التضخم إلى الارتفاع مجددًا وتمنع خفض أسعار الفائدة الأمريكية، فقد أصبح "الآن، الخطر الأهم هو خطر الركود".
وبالفعل لم تسر الأمور كما خطط ترامب لها، إذ بدأت الأسواق في اتخاذ ردود أفعال على التداعيات المحتملة لسياساته التجارية المتشددة، مما زاد من حالة عدم اليقين بين المستثمرين.
وبالإضافة إلى ذلك، أدى تصاعد التوترات مع الصين والاتحاد الأوروبي بسبب فرض تعريفات جمركية جديدة، إلى تراجع ثقة الأسواق العالمية، خاصة في القطاعات التي تعتمد على سلاسل التوريد الدولية مثل التكنولوجيا وصناعة السيارات.
كما أنه منذ تولي ترامب منصب الرئاسة، اجتمع الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي مرتين متواليتين دون أن يخفض أسعار الفائدة ليخالف رغبة الرئيس الجديد، مما زاد من مخاوف المستثمرين بشأن تباطؤ الاقتصاد الأمريكي.
فقد كانت الأسواق تأمل في أن يخفف الفيدرالي من سياسته النقدية الصارمة لدعم النمو، إلا أن استمرار معدلات الفائدة المرتفعة عزز المخاوف من دخول الاقتصاد في مرحلة ركود.
وفي هذا السياق، أشار محللون في "مورجان ستانلي" إلى أن استمرار الفيدرالي في سياسته المتشددة، إلى جانب السياسات التجارية الجديدة، قد يؤدي إلى تباطؤ وتيرة الاستثمار، لا سيما في قطاعات مثل التكنولوجيا والعقارات، التي تعتمد بشكل كبير على تكلفة الاقتراض.
كما أن ضعف البيانات الاقتصادية في الربع الأول من عام 2025، مثل انخفاض الإنفاق الاستهلاكي وتراجع نمو الوظائف، عزز القلق حول مستقبل الاقتصاد الأمريكي.
وأدى ذلك إلى ارتفاع معدل تقلبات الأسواق، إذ سجل مؤشر "فيكس"، الذي يقيس تقلبات سوق الأسهم، أعلى مستوى له منذ أكثر من عام، ما يعكس ارتفاع حالة التوتر وعدم اليقين لدى المستثمرين.
وأصبحت الصورة أكثر ضبابية بسبب التغيرات المفاجئة في السياسات الاقتصادية والمالية لإدارة ترامب، مما دفع العديد من المستثمرين إلى البحث عن ملاذات آمنة مثل الذهب الذي ارتفع بنسبة 17% خلال الربع الأول من عام 2025.
التراجع لم يقتصر على السوق الأمريكي، بل امتد ليشمل بورصات أخرى حيث شهد مؤشر فوتسي 250 في بورصة لندن انخفاضًا بنسبة 3.7% منذ بداية العام الحالي.
في حين تراجع مؤشر "نيكي 225" الياباني بنسبة 5.6% خلال الفترة نفسها بسبب مخاوف من تراجع الطلب العالمي.
وبالتوازي مع ذلك، تعرضت الأسواق الناشئة لضغوط إضافية نتيجة ارتفاع عوائد السندات الأمريكية، مما دفع المستثمرين إلى تحويل رؤوس أموالهم بعيدًا عن الأصول ذات المخاطر العالية.
ومع ذلك استطاعت بعض الأسواق في أوروبا تحقيق مكاسب خلال تلك الفترة مدعومة ببعض الأنباء المحلية الإيجابية.
ففي البورصة الألمانية، ارتفع مؤشر السوق الرئيسي داكس بنحو 12% خلال الربع الأول من العام الحالي، حيث جاء هذا الارتفاع بشكل رئيسي مدفوعًا بخطة ألمانيا لزيادة الإنفاق على الدفاع والبنية التحتية، مما دفع أسهم شركات الدفاع والتكنولوجيا لتحقيق مكاسب قوية.
سوق العملات المشفرة وبيتكوين
أما في سوق العملات المشفرة، فقد تزايدت التقلبات مع تصاعد الجدل حول إمكانية فرض لوائح تنظيمية جديدة، مما أدى إلى هبوط العملات المشفرة وعلى رأسها البيتكوين بعد مكاسب قوية في أواخر 2024 وبداية رئاسة "ترامب".
بشكل عام، عكست تحركات الأسواق حالة من الترقب وعدم اليقين، حيث حاول المستثمرون استيعاب تأثيرات التوجهات السياسية الجديدة على المشهد الاقتصادي العالمي.
في نوفمبر 2024، شهدت سوق العملات المشفرة نموًا ملحوظًا، حيث وصلت القيمة السوقية الإجمالية إلى 3.35 تريليون دولار أمريكي، وهو مستوى مماثل للأرقام القياسية المسجلة في عام 2021.
وجاء هذا الارتفاع مدفوعًا إلى حد كبير بإعادة انتخاب "ترامب"، وتوقعات تبني إدارته لسياسات داعمة للعملات المشفرة.
وارتفع سعر البيتكوين منذ إعلان فوز "ترامب" وحتى منتصف يناير بنسبة 40% قبل أن تتقلص تلك المكاسب، إذ تضمن برنامجه الانتخابي دعم تخفيف القيود التنظيمية وإنشاء احتياطي وطني من هذه العملة المشفرة.
تحركات أبرز العملات المشفرة منذ يناير 2025 (بالدولار الأمريكي)
العملة المشفرة | 1 يناير | 30 مارس | أعلى سعر خلال تلك الفترة |
بيتكوين | 93411 | 83172 | 107738 |
إيثريوم | 3351 | 1818 | 3668 |
ريبل | 2 | 2.1 | 3.3 |
سولانا | 191 | 125 | 281 |
بينانس كوين | 705 | 604 | 741 |
كما حققت العملات الأخرى مثل كاردانو وريبل مكاسب استثنائية، حيث تصدرت ريبل السوق الارتفاعات بصعود بلغ 362% إذا تجاوز سعرها 2.5 دولار بعد شهر من إعلان فوز ترامب مقابل أقل من 0.6 دولار.
ولكن التفاؤل الذي ساد أواخر عام 2024 وعززته استقالة رئيس هيئة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية، "جاري جينسلر"، والذي كان معارضًا لتنظيم أكثر مرونة للعملات المشفرة، لم يدم طويلًا.
فمع تزايد التوقعات بفرض لوائح تنظيمية أكثر صرامة تحت إدارة ترامب، وتفاقم المخاوف بشأن تأثير السياسات التجارية الجديدة على الأسواق المالية، تعرض سوق العملات المشفرة لضغوط بيعية مكثفة.
على سبيل المثال، انخفض سعر البيتكوين ليصل إلى نحو 83 ألف دولار خلال تعاملات أمس بعد أن تجاوز 105 آلاف دولار في يناير الماضي، أي فقدت نحو 20% من قيمتها في تلك الفترة.
هل توقع بافت ذلك؟
ولكن حتى قبل وصول ترامب لكرسي رئاسة الولايات المتحدة مجددًا، لم يتوقع سوى قلة من المستثمرين هذه التقلبات، ولعل أبرزهم الملياردير "وارن بافت"، الذي لطالما عُرف بنهجه الحذر في الاستثمار وتحليله العميق للأسواق.
وخلال عام 2024، بدأ "بافت" في تقليص استثماراته في العديد من الشركات الأمريكية الكبرى، مستبقًا التقلبات التي سجلتها الأسواق بعد انتخاب "دونالد ترامب".
وتخلّت شركته، بيركشاير هاثاواي، عن نسبة كبيرة من حصصها في شركات رئيسية مثل أبل وبنك أوف أمريكا، حيث باع أكثر من 56% من حصته في أبل خلال العام، إلى جانب تقليص استثماراته في عدة قطاعات حساسة مثل التكنولوجيا والبنوك.
ويعزو محللون هذه التحركات إلى نظرة "بافت" الحذرة تجاه السياسات الاقتصادية الجديدة، لا سيما فيما يتعلق بالسياسة النقدية والمالية، والتي زادت من حالة عدم اليقين في الأسواق.
وفي هذا السياق، صرح "بافت" في أحد اجتماعات المساهمين قائلاً: "عندما تتزايد حالة عدم اليقين، يصبح الاحتفاظ بالسيولة النقدية أكثر قيمة من أي وقت مضى، وهو ما يبرر توجهه نحو تعزيز الأصول السائلة وتقليل التعرض لمخاطر الأسهم".
وبالفعل، جاءت توقعاته في محلها، حيث أدت التقلبات الحادة التي شهدتها الأسواق إلى تراجع المؤشرات الكبرى، بينما لجأ العديد من المستثمرين إلى الملاذات الآمنة مثل الذهب والسندات الحكومية، تمامًا كما فعل بافت في تحركاته الأخيرة.
في نهاية المطاف، أكدت التقلبات في الأشهر الثلاثة الأولى من رئاسة ترامب أن الأسواق المالية تتأثر بالواقع السياسي والاقتصادي المتغير أكثر من أي عوامل أخرى.
وبينما راهن البعض على "عصر جديد" من الازدهار، كشفت التقلبات العنيفة أن الاستقرار لا يزال بعيد المنال.
وستظل معادلة الأسواق العالمية والعملات المشفرة معقدة يصعب التنبؤ بها، حيث يتداخل النفوذ السياسي مع القرارات الاقتصادية، مما يجعل المستثمرين أمام اختبار حقيقي للقدرة على التكيف.
فهل تشهد الفترة المقبلة تصحيحًا يعيد التوازن، أم أن حالة عدم اليقين ستظل هي السمة الأبرز لحقبة ترامب الاقتصادية؟ الأيام القادمة وحدها ستكشف الإجابة.
المصادر: أرقام- رويترز- وول ستريت جورنال- ماركت ووتش- بلومبرج- سي إن بي سي- بينانس
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة ارقام ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من ارقام ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.