- يقدم أنوش كاباديا، أستاذ الاقتصاد السياسي في جامعة بومباي للتكنولوجيا، في كتابه "نظرية سياسية للمال"، تحليلاً دقيقًا وشاملاً لطبيعة النقد، مستعرضًا تعقيداته الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.
- ينطلق المؤلف من فرضية أن المال ليس مجرد وسيلة تبادل محايدة، بل هو نظام هرمي متشابك مع السلطة والسياسات العامة.
- ويقدم الكتاب قراءة ثرية تساهم في فهم طبيعة المال الحديثة، وتأثيره على الديناميكيات الاقتصادية العالمية، وهو ما يجعله مرجعًا أساسيًا لكل مهتم بتفكيك بنية الأنظمة النقدية وفهم دور الدولة في تشكيلها.
نظرية سياسية للمال: تعدد الأوجه والوظائف

- يناقش المؤلف التفسيرات المختلفة لمفهوم المال، حيث يراه علماء الأنثروبولوجيا كظاهرة اجتماعية، بينما يعتبره السياسيون أداة تفرض بها الدولة إرادتها، في حين ينظر إليه رجال الاقتصاد التقليديون كوسيلة محايدة لتسهيل المعاملات.
- تعكس هذه التعددية في الفهم تعقيد المال كظاهرة متعددة الأبعاد، تجعل من الصعب حصره في تعريف واحد شامل.
المال في سياق تاريخي: من معيار الذهب إلى العولمة النقدية
- يستعرض الكتاب كيف تطورت النظم النقدية على مر العصور، بدءًا من نظام معيار الذهب، الذي ربط قيمة العملة بالذهب، وصولًا إلى النظام النقدي الحديث الذي ألغى هذا عام 1973.
- يعكس هذا التحول جوهر المال اليوم، الذي لم يعد مدعومًا بمعدن ثمين، بل أصبح قائمًا على ثقة الدولة وقوتها الاقتصادية.
التسلسل الهرمي للنظم النقدية
- يفصّل كاباديا مفهوم التسلسل الهرمي للنقد، حيث تأتي نقود البنك المركزي في قمة الهرم باعتبارها المصدر الأساسي للثقة النقدية، تليها ودائع البنوك التجارية التي تستمد قيمتها من قدرتها على تحويل هذه الودائع إلى سيولة عند الحاجة.
- يطرح كاباديا فكرة ثورية مفادها أن المال ليس مجرد أداة اقتصادية، بل هو في جوهره التزام سياسي. فمنظومة المال ترتبط بالدولة، التي تعمل على ترسيخه كأصل سياسي يضمن استقرارها المالي.
- تناقض هذه الفكرة النظريات النقدية الحديثة التي ترى أن الدولة قادرة على خلق المال دون قيود، حيث يجادل كاباديا بأن المال لا يستمد قيمته فقط من كونه وسيلة تبادل، بل من العقد الاجتماعي والسياسي الذي يؤمن استمراريته.
المال بين الاقتصاد والسياسة: رؤية كاباديا العميقة
- يؤكد كاباديا أن المال لا يمكن فصله عن الإطار السياسي والاجتماعي الذي يحدد وظيفته وقيمته؛ فالدول، من خلال سياساتها النقدية والمالية، تشكل طبيعة النقود وتحدد استخدامها في الاقتصاد.
- وتفسر هذه العلاقة بين المال والسيادة سبب اختلاف قيمة العملات عبر الدول، وسبب هيمنة الدولار على التجارة العالمية، حيث يتمتع الاقتصاد الأمريكي بقوة سياسية واقتصادية تتيح له فرض عملته كمعيار نقدي دولي.
- لكن لا تُعد هذه القوة بلا ثمن، إذ يشير الكتاب إلى أن الامتياز الإمبراطوري للدولار يأتي مع مسؤوليات اقتصادية ضخمة، مثل العجز التجاري المستمر للولايات المتحدة ودورها كمُقرض عالمي في أوقات الأزمات.
- وهذا ما يضع النظام النقدي العالمي في حالة عدم استقرار مزمن، حيث يعتمد بقية العالم على سياسة نقدية تصدر من واشنطن، ما قد يؤدي إلى أزمات متكررة كما حدث في الأزمة المالية العالمية عام 2008.
تأميم البنوك: رؤية جذرية لمستقبل النقد

- من بين النقاط الجريئة التي يطرحها كاباديا في كتابه هي فكرة تأميم البنوك؛ إذ يرى أن النظام الحالي يمنح البنوك التجارية امتيازًا غير عادل بقدرتها على خلق النقود من خلال الإقراض، بينما تتحمل الدولة مسؤولية إنقاذها في الأزمات.
- لذا، يقترح تأميم البنوك كوسيلة لضمان أن تظل عملية خلق النقود خاضعة للرقابة الديمقراطية بدلاً من أن تكون أداة ربحية بيد المؤسسات المالية الكبرى.
- تعكس هذه الفكرة تيارًا متزايدًا في الفكر الاقتصادي الحديث، حيث يجادل البعض بأن الدولة يجب أن تستعيد زمام السيطرة على النظام النقدي بدلاً من تركه في أيدي الأسواق الخاصة، خاصة بعد التجارب المريرة للأزمات المالية الأخيرة.
- ومع ذلك، قد يكون هذا الطرح غير واقعي سياسيًا، نظرًا لمقاومة القطاع المصرفي القوي لأي محاولات لتغيير قواعد اللعبة.
العملات المشفرة: حل خاطئ لمشكلة مختلفة
- يتناول الكتاب العملات المشفرة مثل البيتكوين، موضحًا أنها تعيد إنتاج نفس المشكلات التي كانت موجودة في العصور السابقة، حيث تحد من قدرة الاقتصاد على التوسع عبر الائتمان.
- فهو يرى أن المال ليس مجرد وسيط تبادل، بل هو جزء لا يتجزأ من منظومة ديون مترابطة، مما يجعل العملات المشفرة غير قادرة على استبدال النقد التقليدي دون تعطيل الاقتصاد.
بين النظرية والتطبيق: كيف يغير كاباديا طريقة فهمنا للمال؟
- إن ما يجعل كتاب "نظرية سياسية للمال" مميزًا ليس فقط تحليله العميق، بل قدرته على الجمع بين النظريات الاقتصادية والممارسات الفعلية للنظم النقدية.
- فهو لا يكتفي بمناقشة الأفكار المجردة، بل يربطها بأحداث واقعية، مثل انهيار نظام بريتون وودز، وأزمة الديون الأوروبية، وصعود العملات الرقمية، وحتى تداعيات سياسات البنوك المركزية الحديثة.
- بهذا، ينجح كاباديا في تقديم رؤية شاملة للمال، لا تقتصر على تعريفه كوسيلة تبادل أو مخزن للقيمة، بل باعتباره أداة قوة، وعقدًا اجتماعيًا، وهيكلًا هرمياً يحدد توزيع الثروة والنفوذ في المجتمع.
خاتمة: المال جوهر النظام السياسي والاقتصادي

- يختتم كاباديا كتابه بالتأكيد على أن المال ليس مجرد أداة اقتصادية، بل هو بنية سياسية واجتماعية معقدة، تتداخل فيها القوى الاقتصادية والسياسات الحكومية.
- يُعد هذا الكتاب من بين أكثر الأعمال توضيحًا لمفهوم المال الحديث، ويُمثل إضافة نوعية إلى المؤلفات النقدية التي أعقبت الأزمة المالية العالمية.
- فمن خلال تحليله العميق، يكشف كاباديا أن المال ليس مجرد وحدة حساب أو وسيلة تبادل، بل هو في الأساس أداة قوة سياسية.
المصدر: كلية لندن للاقتصاد
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة ارقام ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من ارقام ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.