تشير الدراسة إلى أن السبب الرئيسي وراء سوء فهم التوجيهات هو الاستخدام غير الصحيح للمصطلحات. وللتوضيح، تخيل معي هذا المثال الواقعي: قرر مدير تنفيذي تطبيق سياسة «التمكين» (Empowerment) للموظفين، ففسر مديرو الإدارات ذلك على أنها منح الموظفين المزيد من الحريات الشخصية في العمل. لكن الواقع أن المدير كان يقصد «تفويض السلطة» (Delegation of Authority) لتمكين الموظفين من اتخاذ قرارات مهمة بأنفسهم وتحمل مسؤوليات أكبر. هذا المثال يُبرز بوضوح أهمية استخدام المصطلحات العلمية الدقيقة عند إصدار التوجيهات. فحين يتحدث المديرون بلغة مهنية موحدة ومصطلحات واضحة، تقل فرص سوء الفهم والالتباس، ويعزز ذلك صورة المؤسسة كمكان مليء بالكفاءة والمعرفة والخبرة.
يعد استخدام المصطلحات الدقيقة في الاتصالات الإدارية ضرورة حتمية لعدة أسباب أساسية. أولاً، يُحسّن هذا النهج من فعالية إيصال الرسائل؛ فالكلمات الدقيقة تُسهّل على المتلقين فهم المضمون واستيعابه بصورة صحيحة وواضحة. ثانيًا، يعزز العمل المؤسسي بشكل كبير. إذ يعتمد العمل المؤسسي على توثيق المعلومات بشكل دقيق لضمان توفر مرجع موثوق يُعتمد عليه مستقبلاً. لذا، فإن الدقة في اختيار المصطلحات تسهم في بناء قاعدة معرفية قوية وموثوقة، تمكّن المؤسسات من التطور والاستمرارية وتحقيق أهدافها بكفاءة.
قد يتساءل بعض القراء عن الأسباب التي تجعل استخدام المصطلحات الصحيحة أمرًا بالغ الأهمية في التواصل داخل المنظمات. ولعل هناك سببين رئيسيين وراء ذلك: الأول، أن المدير أو الموظف غالبًا ما يكون غير متخصص علميًا في المجال الذي يعمل فيه. فعلى سبيل المثال، كثير ممن يعملون في المبيعات أو الموارد البشرية أو تقنية المعلومات يكتسبون مهاراتهم من خلال الخبرة العملية والتعامل اليومي، بدلاً من التحصيل العلمي المنهجي. الثاني، نقص الوعي أو التدريب، حيث قد يفتقر الموظفون والإداريون إلى الإدراك الكافي بأهمية اختيار المصطلحات الدقيقة. في كثير من الحالات، قد لا يكون هؤلاء الأفراد قد تلقوا التدريب اللازم لفهم واستعمال المصطلحات الإدارية والفنية الصحيحة ضمن سياق عملهم. فكيف يمكن معالجة هذه المشكلة؟
لضمان استخدام المصطلحات الصحيحة وتحسين جودة التواصل داخل المنظمة، من الضروري البدء بتعيين مديري إدارات يتمتعون بالمؤهلات العلمية والتخصص الملائم لوظائفهم. على سبيل المثال، ليس من المنطقي أن يدير مهندس ذو خبرة في المستشفيات قسم الكُلى، أو أن يشغل طبيب منصب المدير المالي، أو أن يتولى مدرس إحصاء إدارة قسم التطوير. إلى جانب التعيين الصحيح، يأتي الحل الثاني المتمثل في تقديم تدريب شامل للموظفين، يشمل الجوانب النظرية والعملية في مجال عملهم. يساعد هذا النهج على رفع مستوى معرفتهم وصقل مهاراتهم وزيادة وعيهم بدورهم، ما يتيح لهم استخدام اللغة الصحيحة بشكل أكثر دقة واحترافية.
باختصار، إن استخدام المصطلحات الدقيقة في الاتصالات الإدارية ليس مجرد ترف لغوي، بل هو ضرورة لضمان وضوح الرسائل، وتقليل الأخطاء المكلفة، والهدر في الموارد. الحل يكمن في اختيار المديرين المؤهلين علميًا، وتوفير التدريب اللازم للموظفين بما يمكنهم من أداء مهامهم بفعالية. فلنلتزم باستخدام لغة مهنية دقيقة، لأن المصطلح الصحيح هو انعكاس للمعرفة، والتخصص هو أساس التقدم. باستخدام المفاهيم الواضحة واللغة المحترفة، يمكننا تحقيق أهداف رؤية المملكة 2030 بكفاءة وفاعلية، والمضي قُدما نحو الريادة العالمية والتنمية المستدامة.
أخبار ذات صلة
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة عكاظ ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من عكاظ ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.