التسول ظاهرة قديمة، ارتبطت بالفقر والحاجة، وكانت في بداياتها صورة من صور طلب المساعدة لمن ضاقت بهم سبل العيش. غير أن هذه الظاهرة اليوم باتت تحمل وجهين متناقضين؛ وجهاً يمثل المحتاج الحقيقي الذي لم يجد سبيلاً سوى مد يده، ووجهاً آخر يعكس صورة من صور الاحتيال المنظم الذي جعل من التسول مهنة تدر المال بغير وجه حق، وتستغل تعاطف الناس لأغراض خفية.
يقول الشاعر العربي: «إذا لم تكنْ لي والزمانُ شرِيكُ.. فَلا تَتَّخِذْني لكَ الزَّمَانَ صديق» وهكذا هو التسول لا يتخذ من الحاجة حجة بل يتلون وفق ما يمليه عليه الموقف.
التسول ظاهرة اجتماعية تعكس واقع المجتمعات وتفاوتاتها الاقتصادية. لا شك أن هناك من يلجأ إليه اضطراراً بسبب الظروف القاهرة كالفقر، المرض، أو العجز عن العمل، وهؤلاء هم الذين يستحقون العون والمساعدة. وقد حث الإسلام على إغاثة الملهوف وإعانة المحتاج، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: « من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته» -رواه البخاري ومسلم-.
لكن ما نراه اليوم هو نوع مختلف تماماً من التسول، حيث أصبح تجارة مربحة عند بعض الأفراد والعصابات، بل تحول إلى أسلوب حياة يتكسبون به دون عناء، مستغلين طيبة الناس وكرمهم. فكم من متسول يحمل أموالاً تفوق ما يجنيه العاملون بجهدهم، وكم من متسول يظهر العجز أمام الناس ثم يكشف عنه أنه قادر على العمل لكنه فضل استدرار العطف!
لم يعد التسول مجرد شخص يجلس على الرصيف ويمد يده للمارة، بل تنوعت أساليبه وتطورت مع الزمن، ومنها: التسول الإلكتروني، التسول عبر استغلال الأطفال، التسول بالحيلة والخداع، التسول الموسمي.
هذه الأساليب تعكس مشكلة أخلاقية قبل أن تكون مشكلة اجتماعية، لأنها تستنزف مشاعر الخير لدى الناس وتضعف روح التكافل الحقيقي بين من يستحق ومن لا يستحق.
رغم أن مساعدة المحتاج واجب إنساني وأخلاقي، فإن الإسلام حث على العمل وأمر المسلم أن يسعى في كسب رزقه بدلاً من مد يده.
يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: « لأن يأخذ أحدكم حبله فيأتي بحزمة من حطب على ظهره فيبيعها، فيكف بها وجهه، خير له من أن يسأل الناس، أعطوه أو منعوه» -رواه البخاري-.
وهذا الحديث يعكس بوضوح قيمة العمل في الإسلام، وأن الكرامة في السعي والكسب لا في السؤال والاتكال على الأخرين. كما قال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: « من جلس في بيته وقال: يا الله، يا الله، فقد ضيع نفسه»، أي أن السعي مطلوب، ولا ينبغي للإنسان أن يركن إلى الكسل بدعوى الفقر.
ولكن هناك سؤال دائما يراودني هل العطاء عشوائي أم مسؤول؟
التسول مشكلة معقدة، لأنه يحمل في طياته مزيجاً من الحاجة والاحتيال. لذا، فإن العطاء لا ينبغي أن يكون عشوائياً، بل يجب أن يكون مسؤولاً. وكما قال أحد الحكماء: « العطاء بلا تفكير، كالمطر بلا نظام، قد يروي الأرض، لكنه قد يغرقها أيضًا» .
علينا أن نحسن اختيار أين نضع أموالنا، ونوجه صدقاتنا لمستحقيها الفعليين، حتى لا يكون التسول مجرد مهنة مربحة لمن لا يستحق، بينما يظل المحتاج الحقيقي يعاني في صمت.a
@Mohd_alhajry
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة صحيفة اليوم ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من صحيفة اليوم ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.