اقتصاد / صحيفة الخليج

هل ينسحب ترامب من منظمة التجارة العالمية؟

د. عبد العظيم حنفي*

رغم انسحاباته المتسارعة، من منظمة الصحة العالمية واتفاقية باريس للمناخ، ومن مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، ومن وكالة الأمم المتحدة لإغاثة اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، وحظر تمويلها لم يقرر الرئيس ترامب بعد الخروج من منظمة التجارة العالمية (WTO)، التي نشأت في منتصف التسعينيات، ما أتاح الفرصة كاملة لبزوغ والدول النامية الصاعدة للاندماج في النظام والمشاركة في رسم السياسات واتخاذ القرارات كأعضاء جدد في نظام الحوكمة الدولية الذي دشنته المنظمة. وعليه الحيلولة دون استمرار القوى التقليدية في بسط نفوذها على النظام والسيطرة المنفردة بالقرار على نحو ما كان الوضع في نظام ومؤسسات ما بعد الحرب العالمية الثانية.
وكانت الولايات المتحدة هي المحرك الرئيسي وراء إنشاء المؤسسات الاقتصادية في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية والمعروفة بالمثلث الحاكم للنظام الاقتصادي، وأضلاعه الثلاثة هي الجات ومؤسستا بريتون وودز، والصندوق والبنك الدوليان. وجاءت منظمة التجارة العالمية كأول تغيير خارج نطاق هذا النظام. وكانت الآمر الناهي في النظام التجاري الدولي ونشهد الآن تضاؤل الثقة في دورها وتراجع ما كان لها من ثقل ووزن في تنظيم العلاقات التجارية الدولية.
وللمنظمة مهمتان أساسيتان وإن كان إخفاقها في أداء أي منهما يؤثر بالسلب في الآخر ويقلص من حضورها على الساحة الدولية. فهي نظام قضائي أوحد، حيث تتمتع بآلية لتسوية النزاعات لا مثيل لها في النظام متعدد الأطراف تصدر توصيات نافذة وعلى الدول الأعضاء الاحتكام إليها أو الالتزام بالتعويض. أمّا ولايتها الثانية فهي تستمدها من كونها منتدى للتفاوض ووضع القواعد الدولية التي تحترمها الدول الأعضاء كبيرها قبل صغيرها وتلتزم بها. وتعمل منظمة التجارة العالمية بتوافق الآراء، وهو ما يعتبر نقمة ونعمة في ذات الوقت. فإن توافق الآراء يعكس بالتأكيد ديمقراطية مطلقة في المعاملة، غير أنه يعني أيضاً، من حيث المبدأ، منح حق الفيتو لـ 164، الدول الأعضاء، وهو ما يعيق المنظمة عن أداء دورها التفاوضي. وفقدان منظمة التجارة العالمية لقدرتها على التفاوض، أدى في إلى إفشال دورها كهيئة قضائية تحكم في المنازعات التجارية فيما بين الدول الأعضاء. ولا أحد يزعم أن لمنظمة التجارة العالمية القدرة على منع اندلاع الحروب التجارية، ولكن يمكنها كبح جماحها وإبقاؤها تحت السيطرة إذا ما التزمت الدول بقواعدها وتوصياتها.
ولذا تتفق الغالبية الكاسحة من دول العالم على أنه لا يمكن الاستغناء عن منظمة التجارة العالمية كمنظم ومشرف على العلاقات التجارية الدولية، بل وترى آراء من أن تراجع الولايات المتحدة عن القيادة ليس نهاية المطاف بل يُعدّ حافزاً ودافعاً لدول أخرى، مثل الصين، ، الاتحاد الأوروبي، الهند، البرازيل، وغيرها لكى تتكاتف معاً لتمكين المنظمة من القيام بالدور المنوط بها. ولا يمكن لنا تصور ازدهار النظام التجاري الدولي من دون أدنى قواعد تحكمه وتنسق معاملاته وتنظيمها.
وقد قام الرئيس ترامب بتعقيد صعوبة دور المنظمة بعد توظيف آلية الرسوم الجمركية، لتحقيق أغراض سياسية، وهو ما يؤدي إلى تداعيات سلبية وسيضر حقاً بالنظام الدولي القائم على القواعد. وقد عبرت تقارير صندوق النقد الدولي غير مرة أن خطوات ترامب نحو الحماية التجارية، أحد مهددات النمو الاقتصادي على مستوى العالم. وقد تكون خطوة إقدام ترامب على تنفيذ آلية الرسوم الجمركية، فرصة لأن تتوحد باقي دول العالم لترسم خطوة جديدة على خريطة النظام العالمي متعدد الأقطاب، وتنشئ جبهة أمام تصرفات ترامب. هذه الجبهة إما أن تدفع الرئيس للقبول بقواعد نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب، أو أن ينجح هو في تقويض هذا النظام عبر تهميش دور منظمة التجارة العالمية، أو الانسحاب من عضويتها.
ونلاحظ أن التعريفات الجمركية على جارتي واشنطن المكسيك وكندا لا تنتهك اتفاقية الولايات المتحدة والمكسيك وكندا (USMCA)، التي تفاوضت عليها إدارته الأولى، فحسب. بل إن هذه الخطوة المتطرفة ستكون شديدة الإضرار بمصالح الولايات المتحدة وكذا مصالح الاقتصادات المستهدفة. وفي حين أن مؤيدي ترامب ربما لا يدركون هذه الحقيقة بعد، فمن المؤكد أن كندا والمكسيك تدركانها. لنتأمل هنا صناعة السيارات، التي تتكامل بشكل كبير عبر مختلف أنحاء أمريكا الشمالية. في الأمد القريب، ستتعطل استراتيجيات الشركات واستثماراتها في مرافق الإنتاج بشكل جذري. وفي الأمد البعيد، ستواجه شركات السيارات الأمريكية خسائر كبيرة في الكفاءة ــ على سبيل المثال، لأنها لن تستطيع الحصول على المكونات الكثيفة العمالة بأسعار بخسة من المكسيك ــ وهذا كفيل بتقويض قدرتها التنافسية العالمية. علاوة على ذلك، لا تملك كندا ولا المكسيك حق تقديم التنازلات التي يطلبها ترامب. فهو، بادئ ذي بدء، يطالبهم بوقف تدفق الفنتانيل إلى الولايات المتحدة، لكن معظم الفنتانيل يجلبه مواطنون أمريكيون وليس المهاجرون الذين يعبرون الحدود المكسيكية، وأقل القليل منه يأتي من كندا.
كما يصر ترامب أيضاً على أن تلغي كندا والمكسيك فوائضهما التجارية الثنائية مع الولايات المتحدة. لكن العجز الثنائي هو مجرد مكونات للميزان التجاري الكلي على جانب الولايات المتحدة، والذي يتحدد على مستوى الاقتصاد الكلي (المدخرات الوطنية ناقص الاستثمار). وأي انخفاض في صادرات أي بلد إلى الولايات المتحدة سيؤدي إلى انخفاض مقابل في صادرات الولايات المتحدة إلى بقية العالم، بسبب عوامل مثل انخفاض الدخل الأجنبي، أو ارتفاع قيمة الدولار الأمريكي، أو التعريفات الجمركية الانتقامية.
*أكاديمي مصري

ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة صحيفة الخليج ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من صحيفة الخليج ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.

قد تقرأ أيضا