عرب وعالم / السعودية / عكاظ

بين القيم التربوية والغياب «المُمنهج»

شهر ، الذي أراده الله تعالى مدرسةً إيمانيةً وتربويةً، تحوّل في السنوات الأخيرة إلى موسم لظاهرة مُقلقة تهدد جوهره الروحي والتعليمي. فبدلًا من أن يكون فرصةً لتعزيز قيم الانضباط الذاتي والالتزام والمسؤولية، أصبح رمضان لدى البعض ذريعةً لتبرير غياب الطلاب عن المدارس بشكلٍ «ممنهج»!

ما كان في السابق حالات فردية يمكن تفهمها، تحوّل اليوم إلى سلوك جماعي يتم التخطيط له عبر «مجموعات الواتساب» بين أولياء الأمور، حيث يتفقون على غياب أبنائهم بشكل جماعي. هذه الظاهرة لا تقوّض فقط سير العملية التعليمية، بل تُضعف أيضًا القيم التي يفترض أن يعززها هذا الشهر الفضيل، مثل الانضباط والمسؤولية، مما ينعكس سلبًا على الأجيال الناشئة.

الدراسات تُحذّر: الغياب يُضعف التعلّم ويُهدّد المستقبل

تشير العديد من الدراسات والأبحاث الأكاديمية إلى أن الغياب المتكرر للطلاب عن المدرسة لا يقتصر تأثيره على التحصيل العلمي فحسب، بل يمتد ليشمل جوانب متعددة من حياتهم التعليمية والمهنية المستقبلية. وفي هذا الصدد، أظهرت دراسة حديثة نُشرت عام 2024 تحت عنوان «العواقب طويلة المدى للغياب المدرسي المبكر على التحصيل التعليمي ونتائج سوق العمل» أن غياب الطلاب، حتى في مرحلة الطفولة المتأخرة، قد يؤدي إلى تداعيات سلبية طويلة الأمد، بما في ذلك تراجع فرصهم في تحقيق النجاح التعليمي والمهني.

وتكشف دراسة أخرى أن الطلاب الذين يتغيبون بشكل متكرر يفقدون ما يقارب 30% من فرصهم في تحقيق التحصيل العلمي المطلوب، مما يعرضهم لخطر التخلف عن أقرانهم. كما أشارت دراسات أخرى إلى أن الغياب المتكرر يرتبط بضعف المهارات الاجتماعية وانخفاض مستوى الانضباط الذاتي، مما قد يؤثر سلبًا على تكيفهم مع المدرسية والمجتمعية.

وعلى الصعيد المحلي، تُظهر البيانات ارتفاعًا ملحوظًا في نسبة غياب الطلاب خلال شهر رمضان مقارنة بباقي أشهر السنة. هذا الواقع لا يهدد فقط المستوى التحصيلي للطلاب، بل يُضعف أيضًا قيم الالتزام والمسؤولية لديهم، مما ينعكس سلبًا على سلوكياتهم المستقبلية وقدرتهم على الاندماج في المجتمع بشكل إيجابي.

الانضباط والالتزام: أساس بناء الأجيال

«الانضباط والالتزام» هما الركيزتان الأساسيتان لبناء شخصية قادرة على تحمّل المسؤولية ومواجهة تحديات الحياة. فالأشخاص الذين يتمتعون بمستوى عالٍ من الانضباط الذاتي يكونون أكثر نجاحًا في حياتهم الشخصية والاجتماعية والمهنية. كما أن الالتزام بالحضور المدرسي يُعزّز لدى الطلاب قيمة الوفاء بالالتزامات واحترام الوقت، وهي قيم لا غنى عنها في بناء مجتمع متحضر.

دور الأسرة: بين التسهيل والمسؤولية

أخبار ذات صلة

 

لا يمكن إلقاء اللوم كاملًا على الطلاب في ظاهرة الغياب، فدور الأسرة هنا محوري. للأسف، أصبح بعض أولياء الأمور شركاء في هذه الظاهرة من خلال تشجيع أبنائهم على التغيب عن المدرسة بحجة «توفير الراحة» لهم خلال الصيام. وهذا السلوك يُرسّخ لدى الأبناء مفهومًا خاطئًا بأن الالتزام بالمسؤوليات يمكن التهاون فيه متى كانت هناك ظروف تُبرّر ذلك.

ولمواجهة هذا التحدي، يجب على الأسرة أن تُدرك أن شهر رمضان ليس شهرًا للكسل والتراخي، بل هو فرصة لتعليم الأبناء كيفية إدارة وقتهم بين الواجبات الدينية والتعليمية. فالصيام ليس عذرًا للتهرّب من المسؤوليات، بل هو تدريب على الصبر والتحمّل، وهي قيم يجب أن تنعكس على سلوك الأبناء في المدرسة والحياة عمومًا.

المؤسسات التعليمية: بين التوعية والتشجيع

تلعب المؤسسات التعليمية دورًا لا يقل أهمية عن دور الأسرة في مواجهة هذه الظاهرة. فبدلًا من أن تكون هذه المؤسسات مجرد مكان للتعليم، يجب أن تتحوّل إلى منصة لتوعية الطلاب وأولياء أمورهم بأهمية الالتزام بالحضور المدرسي، خاصة في شهر رمضان. يمكن للمؤسسات التعليمية تنظيم حملات توعوية تُبرز أهمية المواظبة على الدراسة، وتوضح أن الغياب المتكرر يُهدّد مستقبل الطلاب التعليمي.

كما يمكن للمؤسسات التعليمية أن تتبنى أساليب تعليمية مرنة خلال شهر رمضان، مثل توفير بيئة تعليمية جاذبة خلال شهر رمضان وتقديم أنشطة تعليمية تفاعلية تُشجّع الطلاب على الحضور دون الشعور بالإرهاق. بالإضافة إلى ذلك، يمكن للمدارس تعزيز التعاون مع أولياء الأمور من خلال عقد اجتماعات دورية لتذكيرهم بأهمية دورهم في دعم أبنائهم وعدم التهاون في مسألة الغياب.

ختامًا...

الأبناء هم أمل المستقبل، وتعزيز قيم الانضباط والمسؤولية لديهم يبدأ من الالتزام بالحضور المدرسي. فلنعمل معًا على بناء جيل يعي أهمية الالتزام والمسؤولية، ليس فقط في رمضان، ولكن في كل أيام السنة.

ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة عكاظ ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من عكاظ ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.

قد تقرأ أيضا