شارل فؤاد المصري يكتب:
ولما لا .. أليس السياسة فن الممكن؟سؤال كالخنجر في الظهر

..وماذا لو أعطت حركة حماس لترامب حلم الريفيرا؟ هذا السؤال الشائك طرحه الصديق العزيز الدكتور خالد عكاشة، مدير المركز المصري للفكر والدراسات، على صفحته في فيس بوك. هو سؤال يمكن تفسيره على أنه سؤال استفهامي أو استنكاري أو استشرافي أو دعوة لإعمال العقل، أو ربما إجابة وليس سؤالًا؟
على أية حال، هناك تقارير صحفية أجنبية تحدثت عن مفاوضات سرية بين حركة حماس والإدارة الأمريكية بقيادة المطور العقاري الرئيس دونالد ترامب، الذي ينتهج نهجًا دبلوماسيًا جديدًا ولا أقول غريبًا، لأن السياسة كما درسناها هي فن الممكن.
وهو هنا يستخدم الحوافز الاقتصادية أو المشاريع الرمزية للتأثير على السياسة نظرًا لخلفية دونالد ترامب في العقارات والمشاريع الفاخرة (مثل مشاريع تحمل علامته التجارية)
وقد ألمح في تصريحات سابقة إلى “جنة جيوسياسية” لتعزيز إرثه، وأقصد ترامب، مثل تحقيق “اختراق” في سلام الشرق الأوسط، وهو هدف سعى إليه عبر “اتفاقيات إبراهيم” في العام (2020)، التي عدلت العلاقات بين إسرائيل ودول عربية عدة، لكنها استثنت حماس والسلطة الفلسطينية .
التقارير الاعلامية تفيد أن هناك مفاوضات “غير مؤكدة” ربما عبر قنوات سرية، ولكن هل مفاوضات حماس وترامب ممكنة؟ ذكرنا من قبل أن السياسة فن الممكن، ولكن هناك عوائق قانونية وسياسية. فالولايات المتحدة تصنف حماس كمنظمة إرهابية، مما يجعل التواصل الدبلوماسي المباشر غير قانوني وفق القانون الأمريكي .

بالإضافة إلى أن إدارة ترامب على علاقات وثيقة مع إسرائيل، وترى في
حماس تهديدًا وجوديًا.
وأي مفاوضات سرية ستناقض السياسة الأمريكية وتضعف التحالف الأمريكي-الإسرائيلي.
فريق ترامب الحالي جل تركيزه في الشرق الأوسط على عزل حماس وتعزيز موقف إسرائيل وتهميش المطالب الفلسطينية (مثلما فعل من قبل بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل وقطع المساعدات عن الفلسطينيين). التفاوض مع حماس سيهدد هذه الأهداف .
وبالنسبة لموقف حماس، فهي ترفض حق إسرائيل في “الوجود” وقاومت تاريخيًا عمليات السلام الأمريكية. وأي تواصل سري مع ترامب قد يعرض دعمها الشعبي وحلفاءها الإقليميين مثل إيران للخطر ويفقدها ميزة كبيرة وهي تعاطف الوسيط المصري الذي يتحمل بصبر أيوب تبعات ما حدث، والمجال هنا لا يتسع لذكرها .
وإذا افترضنا أننا مكان حماس ، ما الأرباح والمكتسبات التي ستحققها إذا فعلا تم هذا؟
أولًا، السعي لتخفيف العقوبات أو اكتساب شرعية دولية أو تنازلات اقتصادية (مثل تمويل إعادة إعمار غزة). ملحوظة : “هناك الخطة المصرية”. واستغلال الانقسامات الأمريكية أو استخدام ذات الأسلوب الترامبي لتحقيق مكاسب أحادية .

هذا عن حماس، وماذا عن ترامب ووجهة نظره؟ ترامب سيحقق “صفقة القرن” لتعزيز إرثه، ربما عبر منح حماس حكمًا ذاتيًا محدودًا في غزة مقابل ضمانات بوقف إطلاق النار. ولما لا، فقد افترضنا في بداية هذا المقال افتراضات فلنطلق لخيالنا العنان، وأيضًا ألم نقل إن السياسة فن الممكن؟
وأيضًا سيعيد ترامب تقديم نفسه كصانع صفقات وهي عقلية “التاجر” عبر مشاريع اقتصادية في غزة مشاريع تشبه “الريفيرا”
وبعد هذا الطرح الافتراضي، هناك سؤال يطرح نفسه: ما العواقب المحتملة لو حدث ذلك؟ ستكون هناك ردود فعل إقليمية عنيفة، أولها أن إسرائيل ذاتها ستعارض بشدة أي مفاوضات، وقد ترد بعمليات عسكرية ضد حماس أعنف مما حدث أو تجمد التنسيق مع واشنطن.
أما الدول العربية الموقعة على “اتفاقيات إبراهيم” قد تعترض أيضًا، وخاصة الإمارات والسعودية
المفاوضات المباشرة بين واشنطن وحماس ستضعف السلطة الفلسطينية (المنافس لحماس)، مما يعمق الانقسام الفلسطيني.
وأيضًا إذا حدث ذلك الافتراض، سيؤدي إلى إضعاف السلطة الفلسطينية الممثل الشرعي والقانوني للفلسطينيين والعضو في الأمم المتحدة “عضوية غير كاملة “
ولكن ماذا عن الداخل السياسي الرسمي الأمريكي أو المحلي؟ ستواجه هذه المفاوضات إذا صحت إدانة من الحزبين الجمهوري والديمقراطي، نظرًا لتصنيف حماس كحركة إرهابية .

اختبار الواقع حتى الآن لا توجد أدلة موثقة أن حماس تجري مفاوضات سرية مع ترامب. وعادة تُجري الولايات المتحدة دبلوماسيتها عبر وسطاء مثل مصر أو قطر أو الأمم المتحدة عند التعامل غير المباشر مع حماس، على سبيل المثال مفاوضات وقف إطلاق النار
رغم أن السيناريو مثير كقصة خيالية، إلا أن القيود الواقعية تجعله غير مرجح تمامًا. حيث ركزت إستراتيجية ترامب في الشرق الأوسط على تهميش حماس، لا تمكينها. وأي مفاوضات سرية تتطلب تجاوز القانون الأمريكي وإسرائيل والتحالفات الإقليمية وهو أمر شبه مستحيل .
وفي النهاية، الغاية تبرر الوسيلة .. والسياسة فن الممكن دائمًا وليس أحيانًا .
دمتم بخير

شارل فؤاد المصري

عضو الهيئة الوطنية للصحافة سابقا