"احتمالات سوق تصحيحية تتصاعد بشكل واضح قبل حلول منتصف عام 2025 في سوق الأسهم الأمريكية".. هذا ما خلص نموذج إحصائي أعده بنك "جولدمان ساكس" في 28 فبراير الماضي، وذلك على الرغم من استبعاد البنك سابقًا لهذا الأمر، بما دعم التيار المتحفظ الذي يحذر من احتمال تعرض السوق الأمريكي لتراجع نسبي أو سوق تصحيحية خلال الفترة المقبلة.
وتحذيرات السوق التصحيحي أو حتى المتراجع في الولايات المتحدة ليست بالجديدة، حيث ظهرت منذ بدأ صعود أسهم الذكاء الاصطناعي، ومع انخراط مستثمرين غير خبراء في السوق بصورة واسعة، ومع وصول السوق الأمريكي لمستويات قياسية غير مسبوقة، يكفي الإشارة فيها على تخطي مؤشر "ستاندرد أند بورز لمستوى 6 آلاف نقطة للمرة الأولى.
المتغير الأول
فمؤشر الأسهم الأمريكي الأهم شهد ارتفاعاً بنسبة تخطت 100% خلال الأعوام الخمسة الأخيرة، ومرجع ذلك للعديد من العوامل -بخلاف ثورة الذكاء الاصطناعي- منها قوة الدولار الأمريكي ودخول رؤوس أموال أجنبية كبيرة للسوق، واستمرار رهانات الصعود بين أغلبية من المستثمرين، فضلًا عن أداء الاقتصاد الأمريكي الجيد بمعدل نمو وصل 2.9% و2.8% في عامي 2023 و2024 على التوالي.
للاطلاع على المزيد من المواضيع والتقارير في صفحة مختارات أرقام
كل هذه المشاهدات ومعها تقارير إيجابية بالمجمل عن التوظيف ونوايا المستهلك، دفعت السوق للانفجار خلال الفترة الماضية، فهل يمكن القول إن هذا التوجه مستمر، وماذا تغير -أو يمكن أن يتبدل- لكي يتغير الحال؟
لعل المتغير الأول والأهم الذي يجب ترقبه هو مستقبل استثمارات الذكاء الاصطناعي، فمن خلال ضخ استثمارات كبيرة في هذا القطاع تحديدًا توقع السوق نموه وبالتالي ارتفعت أسهمه، ولكن الهبوط الأكبر في تاريخ الأسهم بالعالم يوم 27 يناير 2025 لسهم "انفيديا" بخسارة 17% من قيمته تقريبا وانخفاض قارب 600 مليار دولار من قيمته السوقية في يوم واحد كان مجرد علامة واضحة على أن هذا الصعود "هش" على الرغم من قوته.
فالتراجع حدث بسبب ظهور نموذج صيني للذكاء الاصطناعي أقل تكلفة من نظرائه الأمريكيين ولا يستخدم كل هذه المعالجات التي يستخدمها نموذج مثل "شات جي بي تي" بما يؤشر لانخفاض كبير في مبيعات "انفيديا" خلال الفترة المقبلة، ويشكك في قيمتها السوقية.
ماذا لو تأكدت المخاوف؟
وعلى الرغم من أن أسهم عملاق التكنولوجيا "انفيديا" استردت بعضًا من خسائرها، بعد هبوط متواصل لعدة أيام بعد 27 يناير، إلا أنها بشكل عام هبطت بنسبة 18% منذ هذا اليوم حتى بداية مارس 2023 أي فيما يزيد عن شهر بقليل.
وما ساهم في تدارك الموقف وتلافي "سقوط حر" للسهم هو حملات أمريكية تدعم المشروع الذي أعلنته الإدارة الأمريكية باستثمارات 500 مليار دولار نحو الريادة في الذكاء الاصطناعي -في ظل خشية أمريكية من منافسة صينية قوية- بما قلل من المخاوف وأعطى دعمًا للقطاع، لا سيما مع حملات أخرى تشكك في صحة البيانات الصينية عن تكلفة نماذج الذكاء الاصطناعي وتؤكد زيفها.
على الرغم من ارتفاع مؤشر "ستاندر أند بورز" بنسبة تخطت 1% في أول شهرين من عام 2025 إلا أن مؤشر الأسهم التكنولوجية "ناسداك" انخفض بنسبة 2.25% عن الفترة نفسها، وهذا انخفاض غير مسبوق خلال السنوات العشر الأخيرة، بما يؤشر لقدر من التشاؤم "النسبي" حيال الأسهم التكنولوجية "القائدة" في نمو السوق الأمريكي خلال السنوات الخمس الماضية.
ولكن يبقى السؤال هنا: ماذا إن تأكد انخفاض تكلفة النماذج الصينية بالفعل عن نظيرتها الأمريكية بهذه النسب الكبيرة؟ غالبا سيتضح ذلك من خلال ظهور العديد من نماذج الذكاء الاصطناعي مفتوحة المصدر، وسيؤدي هذا لانحدار متواصل لقيمة أسهم الذكاء الاصطناعي أو الشركات السبع الكبرى أو ما يعرفون بـ"العظماء السبع"، "انفيديا" و"مايكروسوفت" و"ميتا" و"أمازون" و"ألفابت" و"تسلا" و"آبل".
وربما تكون الاستثناء "آبل" التي لم تضخ استثمارات كبيرة في الذكاء الاصطناعي بل يمكن أن تستفيد من وجود نماذج رخيصة لصالح منتجاتها، ولكن وبشكل عام سيصبح الانخفاض السابق في قيمة الأسهم التكنولوجية هو مجرد "ترقب" للوضع في السوق وليس انخفاضًا نهائيًا، وسيصعب التكهن بحجم تأثير سيادة التشاؤم بعد سيادة التفاؤل حول شركات الذكاء الاصطناعي على أسهم هذا القطاع.
ومثل هذا الانخفاض -إن حدث- لن يكون مقصورًا على تلك الشركات بل سيمتد إلى سوق تصحيحية في العديد من القطاعات التي نمت في الفترة الماضية لارتباطها بقطاع الذكاء الاصطناعي، بشكل مباشر أو غير مباشر، ومنها قطاعات الاتصالات والطاقة وشركات التعدين على سبيل المثال، فجزء من تقييم هذه الشركات يعتمد على "احتمالات" نمو أعمالها لمواكبة ثورة الذكاء الاصطناعي.
ليس الذكاء الاصطناعي وحده
وبعيدًا عن مسألة الذكاء الاصطناعي تبرز مسألة التوترات الاقتصادية التي تثيرها التهديدات الأمريكية المستمرة بفرض الرسوم الجمركية على الحلفاء والخصوم على حد سواء، لا سيما في استهدافها الصين والاتحاد الأوروبي وكندا والمكسيك وهم أكبر شركاء أمريكا التجاريين، وفي حالة حدوث حروب تجارية -أياً كان حجمها- فإن ذلك سيهدد بعضًا مما تحصده أمريكا من صادراتها وهو رقم بلغ 3.2 تريليون دولار في 2024.
وعلى الرغم من أن واشنطن قد توفر في المقابل بعض مما قيمته أكثر من 4.1 تريليون دولار من الواردات، إلا أن الارتباك الحادث نتيجة لتغير هياكل الإنتاج والتوزيع والتخزين سيكون له أثر مدمر على الاقتصاد مما يهدد بتقليص معدل النمو دون 2% وهو المعدل الذي يراه الخبراء صحياً لمواكبة معدل تضخم صحي مقارب في نسبته بحيث ينمو الاقتصاد دون ضغط على الموارد (هذا لأن الاقتصاد الأمريكي مصنف كاقتصاد متقدم والنسب مختلفة في حالة اقتصادات الدول النامية لاعتبارات عدة أهمها استثمارات البنية التحتية).
وعلى الرغم من أن الحديث عن الحروب التجارية لم يبدأ إلا في الربع الأول من 2025، إلا أن نُذُرها بعد فوز الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في نوفمبر 2024 وتصريحاته في هذا الشأن وعدم الوضوح أو الضبابية بشأن التوجهات الاقتصادية بشكل عام، أدى لتسجيل معدل نمو 2.3% فحسب في الربع الأخير من العام المنصرم.
بل وكشفت تقييمات نمو الاقتصاد الأمريكي في الربع الأول في 2025 عن توقعات متشائمة، نشرها بنك الاحتياطي الفيدرالي في أتلانتا بنسبة تبلغ -1.5%، وإذا تحقق هذا الرقم، أو أي رقم بقيمة سالبة، فستكون هذه هي المرة الأولى التي ينكمش فيها الناتج المحلي الإجمالي منذ الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2022، وما يزيد خطورة هذا الانكماش المحتمل أنه يأتي بعد توقعات سابقة من البنك المركزي بنمو 2.3% عن الفترة نفسها.
ويرجع هذا التقدير المتشائم إلى سببين الأول: هو ارتفاع قياسي في الواردات قياسًا بالصادرات، والثاني هو انخفاض الاستهلاك الشخصي بنسبة 0.2% في يناير وتوقعات بانخفاضه في فبراير -لم يتم إعلان نسبته بعد- ومارس أيضًا.
هل حان وقت الدفاع؟
أما عن قوة الدولار الأمريكي فجزء كبير منها يرجع إلى أداء الاقتصاد الأمريكي الجيد، وجزء آخر متعلق بالعائدات الكبيرة نسبيًا على السندات الأمريكية، وحال تحقق هدف الإدارة الأمريكية بخفض الفائدة على مدار العام الحالي سيكون لهذا الأمر أثره على خفض الفائدة على السندات أيضا بما قد يضعف من الدولار الأمريكي وهو أحد أسباب انتعاش سوق الأسهم في الفترة الماضية.
ولكن يجب ملاحظة أن لمسألة الفائدة تأثيراً آخر إيجابياً متعلقاً بتشجيع بيئة الأعمال على الاستثمار وتسهيل الاقتراض بما يسهم في رواج الأعمال من جهة، كما أن تراجع نسبة الفائدة قد يسهم في تشجيع الاستهلاك -المتراجع نسبيًا- على الانتعاش مجددًا، ويصعب الجزم بوقوع التأثير السلبي أو الإيجابي لخفض سعر الفائدة على الاقتصاد وما إذا كانت المحصلة النهائية لهذا الأمر إيجابية أم سلبية لأن هناك العديد من الأطراف التي ستشكل استجابتها للخفض الصورة النهائية لآثاره على الاقتصاد وسوق الأسهم بالتالي.
ولعل هذه التحذيرات المتكررة هي التي دفعت العديد من الشركات المتخصصة في السمسرة في الولايات المتحدة إلى نصح عملائها بالتوجه إلى ما يعرف بالأسهم الدفاعية، وهي الأقل مغامرة وربما التي تقوم بتوزيع الأرباح، وميل الكثير من المستثمرين الكبار إلى الاحتفاظ بنسب كبيرة من السيولة "الكاش" تحسبًا لاستغلال فرص قد تظهر حال انخفاض السوق.
وتشير مجلة "بارون" في تحليل لها للوضع في سوق الأسهم الأمريكي في الوقت الحالي إلى استنتاج بأنه "حان الوقت اللعب في "الدفاع"، والأسباب متعددة"، ويمكن القول بعد استعراض وضع السوق من أسهم الذكاء الاصطناعي التي "قد" يكون مبالغًا في قيمتها، واحتمالات الحروب التجارية- أيًا كان حجمها- وتراجع النمو الاقتصادي، واحتمال تراجع قوة الدولار "نسبيًا" فإن في الأجواء ما يشكل سحبًا لسوق تصحيحية، وقد تمطر هذه السحب أو قد لا تفعل، لكن الجو يبقى ملبدًا بالغيوم.
المصادر: أرقام- وول ستريت جورنال- بارون- نيويورك تايمز
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة ارقام ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من ارقام ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.