22 فبراير 2025, 10:11 صباحاً
دوَّن الرحالة والمستشرقون الغربيون جوانب عدّة عن مجتمع التأسيس، سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا وثقافيًا، إذ دفعت المكانةُ وعلوُ شأنِ الدولة السعودية الأولى أن تكون الوجهة لعاصمتها الدرعية، ومناطق أخرى من البلاد.
ومنذ القرن الثاني عشر الهجري/الثامن عشر الميلادي، زار أراضي الدولة السعودية الأولى رحّالة ومستشرقون غربيون، ونقلوا مشاهداتهم عنها، ووثّقوا ذلك في كتب ومذكرات تروي صورًا متعددة عن حياة ومجتمع الدولة السعودية، وعن علومهم وثقافتهم التي يعتزون بها، وعن عادات الكرم والضيافة التي شاهدوها.
ودون الرّحالة أساليب البناء والعمارة والأسواق والمدن التي زاروها، وتطرق بعضهم إلى علاقة الإنسان السعودي بالإبل والخيل وغيرها؛ فكان وصفهم أدق وأشمل وصف وصل إلينا.
الرؤية الثاقبة
تميّزت كتابات الرحالة الغربيين بالرؤية الثاقبة لكثيرٍ من أحوال المجتمع، وذلك بحكم ما كان يمتلك المجتمع السعودي من عادات وتقاليد، كانت بالنسبة إلى الغربيين لافتةً للنظر وجالبة للدهشة، لذا حرصوا على توثيقها في مذكراتهم ومشاهداتهم تلك.
ومن أشهر أولئك المستشرق "کارستن نيبور"، الذي زار الجزيرة العربية، عام (1763 - 1764م)، وهو من أبرز الرّحالة الذين تركوا إرثًا علميًا عن الجزيرة العربية، حيث تحدث عن الحياة الجغرافية وطبيعتها، وقدّم وصفًا قل ما تجده في الكتب والمؤلفات العلمية الأخرى، بل إن الرّحالة الذين قدموا من بعده إلى الدولة السعودية؛ اعتمدوا على ما كتبه ودوّنه.
وعلى سبيل المثال، تحدث "نيبور" عن التجارة في مدينة جدة، واصفًا مدى ازدهارها؛ كونها ميناءً للبضائع القادمة من السويس والهند عن طريق البحر، كما وصفها بأنها محطة عبور للقوافل الكبيرة المحملة بالبضائع، ومحطة تصدير أهم مورد من الموارد المحلية، وهو لوز الطائف، الذي يحرص الإنجليز على استيراده، وتستورد جدة: حبوب الحنطة والأرز والعدس والسكر والعسل والزيت، وغيرها من مصر.
وصف الدرعية
وكتب كذلك "لويس ألكسندر دو کورانسيه" عن الدولة السعودية، حيث وصف الدرعية قائلًا: "إنها مدينة صغيرة مبنية من الحجر والطين، وتقع في سفح جبل عالٍ، يمتد من الشمال إلى الجنوب يسمى طويق، ويفصل المدينة وادي حنيفة الذي يفيض شتاء نتيجة لوفرة المياه فيه وكثرة الأمطار، ويوجد بالمدينة حيّان رئيسان، الأول يقع في الجهة الشمالية ويسمى الطريف، وهو أشهر الأحياء الموجودة في الدّرعية، ويعد مقرًا للأسرة الحاكمة، وبه قصر الحكم؛، والحي الآخر يقع في الناحية الجنوبية ويسمى البجيري، وبه عديدٌ من المساجد والمدارس، ويوجد بالدّرعية السوق الرئيس، ويضم جميع الأسواق، وبه انتعشت حركة التجارة، وتزدهر الدّرعية بحدائقها الغنية بالأشجار المثمرة وفيها التمر، والمشمش، والخوخ، والبطيخ الأحمر، وحقول القمح والشعير، والدخن".
المجتمع السعودي
زار "جون لويس رينو" أراضي الدولة السعودية الأولى نهاية القرن الثالث عشر الهجري/الثامن عشر الميلادي، وسجّل مشاهداته عن السعوديين والحياة الاجتماعية، فيذكر أن أهم سمة من سمات المجتمع السعودي آنذاك البساطة الشديدة في حياتهم، كما وصف "رينو" الشعب السعودي أنه مضياف للغاية، حيث يطغى الكرم والضيافة على الجميع، وذكر أن الخيل السعودية في الدرعية هي أجمل خيول الجزيرة العربية، ويوليها السعوديون مكانة كبيرة من ناحية الاهتمام والحرص على تغذيتها ورعايتها.
علي باي العباسي
وممّن زار مناطق الدولة السعودية الأولى الرحالة "دومينجو باديا"، الذي سمى نفسه (علي باي العباسي) عام 1222هـ/1807م وكتب عنها، وعن تاريخ وجغرافية وثقافة ومجتمع الدولة السعودية، كما أشار إلى شجاعتهم وبسالتهم في الدفاع عن أرضهم ووطنهم، ويشير إلى أن النصر دائمًا سيكون حليفهم، وذلك بسبب أن هذه الأرض وطبيعتها لا تصلح لأي أحد آخر غيرهم، كما أنهم تمرّسوا على القتال في هذه الأرض، واستطاعوا الهروب من قبضة أعدائهم.
كرم السعوديين
وسجّل لنا الرحالة الإيطالي "جيوفاني فيناتي" أثناء مرور بمناطق الدولة السعودية الأولى عام 1226هـ/1811م بعض ما عاشه وشاهده من كرم السعوديين وحسن ضيافتهم، كما ذكر أنهم شعب ودود ورحيم ويتحلى بعديدٍ من الأخلاق الكريمة، بدا له ذلك عندما أكرموه بعد رحلة شاقّة من التعب، وأصرُّوا عليه أن يرافقهم في رحلتهم حتى يقتربوا من مكة المكرّمة، وفي أثناء الطريق يذكر "جيوفاني" أنهم رحّبوا به ضيفًا كريمًا في الرحلة، وأبدوا له مشاعر الترحاب والعطف والمودة التي -على حد وصفه- لم ير مثلها في أي بلد آخر، وأن هذه المشاعر الطيبة أنسته مشقة وتعب السفر، كما زوّدوه بكل ما يحتاج إليه من وسائل التّرفيه وصنعوا له الخبز، وجلبوا اللبن الخاص بهم، وأعطوه جملًا يحمله، بدلًا من أن يمشي على قدميه، وهذا من نبل أخلاق السعوديين وكرمهم لأنهم لا يتركون مسافرًا يسير وحيدًا.
كما تحدث "جيوفاني"؛ عن عزيمة وقوة السعوديين في الدفاع عن وطنهم، وأرضهم وسجل مدى إعجابه بهم.
الروتين اليومي
ومما وثّقه الرحالة الغربيون ما جاء عن "جون لويس بورکهارت" في كتاباته الموسعة عن الدولة السعودية الأولى حينما زار الجزيرة العربية في فترة حكم الإمام سعود بن عبدالعزيز عام 1229هـ/1814م، وكتب عن وصف المدن التي زارها وهي: "مكة المكرّمة"، و"المدينة المنورة"، و"جدة"، و"الطائف"، و"ينبع"، وتناول الأوضاع الاجتماعية والعمرانية، كما تناول الروتين اليومي للسعوديين وأساليب المعيشة والعادات والتقليد، والحج والحرمين، وقدم نبذة عن تاريخ تأسيس الدولة السعودية الأولى، وتحدث عن الإمام المؤسس: "محمد بن سعود"، كما تحدث عن الإمام: "سعود"، وعائلته وقصره ومجالسه وعلاقته بشعبه وخيوله، وفي هذا الصدد تحدث على نحوٍ مفصلٍ عن شخصية الإمام سعود بن عبدالعزيز، ويشير إلى أنه قريب من شعبه وحريص عليهم، ومن أمثلة ذلك أنه كان يفتح مجالسه غالب اليوم ليجلس مع الناس ويسمع لهم، كما أنه كان يجلس مع الناس في أي مكان ويسمح لهم بأن يجلسوا في أي مكان دون ترتيب معين ويسلم عليهم سلامًا يتخلله المودة والاحترام، وليس ذلك فقط بل إن "الإمام سعود"، كان يحرص على إقامة الموائد للضيوف والوفود والعامــة من الناس.
الهجوم العثماني
وزار البريطاني "جورج فورستر سادلير" أراضي الدولة السعودية الأولى، حيث بدأ رحلته من شرق الجزيرة العربية، وصولًا إلى مدينة ينبع على البحر الأحمر، ومر على جميع المناطق الواقعة برًا، وذلك عام 1234هـ/1819م بعد عام من سقوط عاصمة الدولة السعودية الأولى الدرعية على يد القوات العثمانية المعتدية، حيث تحدث "سادلير" عن أهالي الدّرعية الذين هربوا من الهجوم العثماني بعد تدمير مدينتهم بأنهم لجأوا إلى السّكن خارج الدّرعية تحديدًا عند بساتين النخيل بالقرب من "منفوحة"، ويذكر "سادلير" أنه على الرغم من سوء وتردي الحال الذي وصل إليه السعوديون بعد الحرب، إلا أنهم أصرّوا على الدفاع عن مدينتهم وعاصمتهم ومقاومة القوات العثمانية المعتدية بالمال والدم، كما قاموا بتحصين منازلهم وأشهروا السلاح في وجه العدو، وبعد وصوله إلى موقع "الدرعية" على وادي حنيفة، وقف على حطام وبقايا المدينة وأسوارها المبنية من التراب الأصفر والحجارة المتماسكة والمتراصة حجرًا فوق آخر، وذكر أنها تمتد إلى الغرب في سلسة طويلة من التلال بين الشمال الغربي والجنوب الشرقي، كما ترى سلسلة أخرى إلى الشمال متجهة نحو الشمال الشرقي.
البناء والعمارة
وبحكم وقوفه على بقايا المدينة، فقد تحدث "سادلير" عن البناء والعمارة في الدرعية، وذكر أنه كثيف ومتقارب ومرتفع على بروز طبيعي يحميه من أحد جوانبه وادٍ ضيق عميق وشديد الانحدار، ومن جهة الغرب سلسة من الأبراج متصلة فيما بينها بسور، ويشار إلى هذا الجانب الغربي باسم "الطريف" وهو منفصل عن البلدة الشرقية المسماة الوادي العميق الضيق الرئيس وادي حنيفة"، كان هذا الجانب أيضًا محاطًا بأبراج وسور ويحمل الوادي مسؤولية الاتصال مع أجزاءٍ من المدينة الواقعة في الشمال؛ التي لم تكن محمية على نحو جيد إذا ما قُورنت مع الأجزاء الواقعة جنوبًا، ويجري خلال هذا الوادي جدول ماء على مدار السنة، يزداد في الشتاء إلى مستوى السيل".
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة صحيفة سبق الإلكترونية ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من صحيفة سبق الإلكترونية ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.