أليكسيس كالا *
تتمتع مؤسسات دول مجلس التعاون الخليجي بإمكانات فريدة تؤهلها لتصدر مشهد تبني استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي، إلا أنها ستواجه تحديات كبيرة، سواء اعتمدت هذه التقنيات أم لم تعتمدها.
تعدّ دول مجلس التعاون الخليجي إحدى أغنى المناطق على مستوى العالم، ولذلك من الطبيعي أن تشكل بيئة مناسبة لإطلاق العنان للإمكانات الهائلة لأدوات الذكاء الاصطناعي، والتي لا تزال في مراحلها الأولى، حيث تعدّ خطوة حاسمة لضمان تحقيق الفائدة القصوى من الإمكانات المتوافرة في المنطقة، لاسيما في قطاع إدارة الثروات. من المتوقع أن تشهد ثروات الأفراد في الشرق الأوسط وإفريقيا نمواً هائلاً لتصل إلى 7.1 تريليون دولار بحلول عام 2026، إلّا أن 70% من هذه الثروات تُدار في الخارج، إلى جانب وجود نقص كبير في الخبراء الماليين اللازمين لإدارة التدفقات المالية المتزايدة للأفراد الأثرياء. وفي الوقت نفسه، يثير الذكاء الاصطناعي جدلاً واسعاً، حيث تروج وسائل الإعلام لقدرته على إحداث تحول جذري في مختلف القطاعات حول العالم، بينما يحذر آخرون من مخاطره المحتملة. ومن ناحية أخرى، تواجه شركات إدارة الثروات العاملة في دول مجلس التعاون الخليجي تحديات عدة في تبني تقنيات الذكاء الاصطناعي التي لا تزال في مراحلها الأولى، حيث يسعى الخبراء إلى تحقيق التوازن بين الاستفادة من قدرات الذكاء الاصطناعي والحفاظ على ثقة العملاء وحماية أصولهم. وبالرغم من الضجة الإعلامية التي شهدناها في الآونة الأخيرة حول الذكاء الاصطناعي، فإن هذا المصطلح لا يعد حديث العهد، فقد مر بمراحل تطور مختلفة منذ بداية ظهوره في الثمانينيات، بدءاً من النماذج القائمة على القواعد وصولاً إلى التعلم العميق والمخرجات الإبداعية واتخاذ القرار في الوقت الفعلي، والتي يمكن الاستفادة منها لإدارة الثروات. علاوةً على ذلك، يوفر النمو الاقتصادي المتسارع فرصاً ذهبية لا تعوض. فهل ستستفيد مؤسسات إدارة الثروات من هذه الفرصة أم ستظل متأخرة عن الركب؟
يكمن سر قوة الذكاء الاصطناعي في قدرته على توفير الوقت والجهد من خلال أتمتة المهام الإدارية الروتينية مثل إدخال البيانات أو إنشاء التقارير، فضلاً عن بناء المحفظة، وأدوات إعادة التوازن، والتوصيات المالية وتنفيذها، مما يزيد الإنتاجية بشكل كبير. كما تعمل برامج المحادثة التي تجيب عن الأسئلة الشائعة على تقليل الحاجة إلى تخصيص موظفين للإجابة عن الاستفسارات المتكررة. وفي الوقت نفسه، يُسهم الذكاء الاصطناعي في تحسين تجربة كل من العميل والموظف من خلال توفير خدمات مخصصة. وبفضل التخصيص الفائق المستند إلى تحليلات عميقة وسريعة لسلوكيات العملاء وتفضيلاتهم، بالإضافة إلى التواصل المخصص والمحتوى التعليمي، يتمكن المستشارون والعملاء من اتخاذ قرارات أكثر استنارة. تُسهم أدوات التدريب المخصصة والتجارب العملية المكثفة في تسريع عملية تعليم المستشارين الجدد بشكل ملحوظ، مما يُسهم في معالجة مشكلة نقص الكوادر المؤهلة في هذا المجال. وأخيراً، تدعم تقنيات الذكاء الاصطناعي مصداقية الشركات من خلال أتمتة عمليات التحقق من الامتثال واكتشاف وتقييم مخاطر الامتثال عبر تحديد الأنماط والتفاوتات التي يصعب على المحللين البشريين اكتشافها. باختصار، يوفر تكامل الذكاء الاصطناعي خدمات متفوقة دون إهدار الكثير من الوقت.
ومن ناحية أخرى، لا يمكن تجاهل المخاطر المحتملة عند الحديث عن تبني تقنيات الذكاء الاصطناعي، ولكن يجب التركيز على مواجهة التحديات التي تحول دون الاستفادة الكاملة من مزاياها. وإلى جانب المخاوف المتعلقة بخصوصية البيانات، والأمن، والامتثال، والشفافية، يشكل الخوف من الخوض في هذه المخاطرة عقبةً رئيسية بحد ذاته أمام تبني تقنيات الذكاء الاصطناعي في هذا القطاع. كما تشعر الشركات بالقلق إزاء الطبيعة الغامضة لبعض نماذج الذكاء الاصطناعي التي تكون أشبه «بالصندوق الأسود»، مما يحدّ من قدرة هذه الشركات على تفسير آلية عملها الداخلية بشكل كامل، وبالتالي يقوّض قدرتها على التحكم في النتائج. وبالرغم من هذه التحديات، فقد تحسّنت شفافية نماذج الذكاء الاصطناعي بشكل ملحوظ في الآونة الأخيرة. كما أن تطبيق حوكمة صارمة وتطوير نماذج الذكاء الاصطناعي المخصصة يوفران مستويات أعلى من الأمن وخصوصية البيانات، مقارنة بالأنظمة من طرف ثالث التي قد يستخدمها الموظفون من دون رقابة. وفي حين لا تزال الأطر التنظيمية للذكاء الاصطناعي في طور التكوين على مستوى العالم، تتميز دول مجلس التعاون الخليجي بريادتها في هذا المجال، حيث أطلقت معظم دول المنطقة استراتيجيات استباقية للذكاء الاصطناعي تتضمن مبادئ توجيهية بشأن الأخلاقيات وأمن البيانات. وقد تبين أنه من أكثر الأمور التي تعيق تبني الذكاء الاصطناعي هو الفهم المحدود والتوقعات غير الواقعية التي تغذي الشكوك والخوف من اعتماد هذه التقنيات، ومع ذلك، يمكن التغلب على هذه العقبات من خلال إدراك أن الذكاء الاصطناعي يدعم الخبرة البشرية بدلاً من استبدالها. وبطبيعة الحال، قد يكون من الصعب دمج التطورات التكنولوجية مع الأنظمة القائمة، وغالباً ما تواجه شركات إدارة الثروات تحديات كبيرة بسبب بنيتها التحتية القديمة، ولكن لحسن الحظ تظهر باستمرار حلول مبتكرة لتحديث البيانات وتحسين الأنظمة. كما يشكل الفكر السائد ورضا السوق بالوضع الراهن أحد المعوقات الرئيسية أمام تطبيق استخدام الذكاء الاصطناعي، إلا أن الشركات السباقة في تبني هذا التحول ستتمكن من تبوّؤ مكانة رائدة في القطاع.
ومع ذلك، فإن الخطر الأكبر يكمن في انتشار الذكاء الاصطناعي على نطاق واسع، حيث كشفت دراسة عالمية أجرتها شركة «ماكنزي» أن استخدام الذكاء الاصطناعي تضاعف بين عامي 2023 و2024، وأن 55% من المشاركين في الدراسة يستخدمون الذكاء الاصطناعي التوليدي بانتظام سواء في العمل أو خارجه. وفي حال عدم تبني الشركات للذكاء الاصطناعي وإدارته بشكل استباقي، قد يلجأ الموظفون إلى استخدام تطبيقات غير معتمدة، مما قد يؤدي إلى انتهاك اتفاقيات السرية أو قوانين حماية البيانات عبر التسريب غير المتعمّد لمعلومات حساسة للعملاء.
* كبير مسؤولي الذكاء الاصطناعي في شركة «ألفيا»
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة صحيفة الخليج ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من صحيفة الخليج ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.