بيئتنا الجافة بحاجة إلى سن قوانين صارمة وحازمة، واضحة الأهداف. قوانين مفهومة بمعايير، قوانين ملزمة للجميع، مستدامة العطاء والتطبيق والتحديث. قوانين تراعي قدرات البيئة الهشة وإمكانياتها الطبيعية، وفق حسابات علمية، ومنها التراثية المهارية التي اثبتت جدواها عبر العصور.
البيئة بحاجة إلى فرض خطوط حمراء، لكن لا يجب انتزاع اهتمام الإنسان ببيئته وإبعاد تفكيره عنها. إيجاد وسائل وأدوات وأنظمة تربط الإنسان ببيئته كمنهج حياة. بيئتنا الهشة بحاجة إلى عطف إنسانها وتفاعله معها حبا وحماية وغيرة. وحتى يتحقق ذلك التفاعل لابد من وجود إيمان وقناعة بأهمية البيئة ومحتواها لدى الأفراد. تقول العرب: فاقد الشيء لا يعطيه.
دعوت خلال العقود الماضية كجزء من رسالتي تجاه البيئة والمياه الجوفية، إلى فرض قوانين تحفظ حقوق البيئة، توضح العلاقة السليمة والحميدة بين الإنسان وبيئته، خاصة في مناطق الدرع العربي، وأخص بالذكر مناطق جنوب غرب المملكة الجبلية المطيرة، وذلك لأهمية مياه الأمطار كمصدر طبيعي وحيد متاح أمامنا.
أحد الأشياء النافعة من وجود القوانين هو تعريف المصطلحات البيئية للناس عامة، هذا في حد ذاته نشر للثقافة البيئة ومعلوماتها التي تجسد الأهمية، وتعطي بعدا مسؤولا عن حق الحياة لجميع مكونات البيئة.
تظل البيئة مفتاح تغيير نوعية وجودة الحياة الطبيعية، لكنها تتجرد من الرحمة إذا أساء الإنسان التعامل معها. يقول الفرد إذا طفح كيل معاناته: «عليّ وعلى أعدائي»، حتى البيئة تقول بهذا وتنفذ بحزم. البيئة تشبه الفرد الذي يتجرد من الرحمة انتقاما ولا يسامح. البيئة على المدى الطويل تحدد وتختار ما يناسبها لتبقى حاضنة له. يفشل، وإن طال الزمن، ما يتم فرضه على البيئة خارج قدرتها وحساباتها.
يصاب البعض بداء سوء التقدير، فيأتي التجاوز غير الحميد. في غياب المساءلة وحضور المحسوبية تطغى المصالح الشخصية على حساب سلامة البيئة. إذا تلاشى الخوف من وجود الأنظمة والقوانين البيئية، فإنها تصبح حبرا على ورق، عديمة الفائدة والتأثير الإيجابي. يصبح وجودها كعدمه، مع هذا الوضع، تصبح الدعوة باحترام البيئة غير فاعلة، ومضيعة للوقت.
هنا أود التركيز بيئيا على أننا معنيون ليس فقط بالمياه الجوفية وحمايتها من الاستنزاف الجائر، ولكن نحن أيضا معنيون حتى بحماية مجاري مياه الأمطار التاريخية في البيئة. فهي أودية طبيعية ذات تأثير على سلامة البيئة. من هذه الأودية ما هو مستثمر من أهلها عبر القرون، حيث استثمروا أودية السيول وفق قواعد تحترم قوة السيول وحقها في البيئة.
شذبوا طرقها وفق علم هندسي لم يتعلموه في الجامعات. جعلوا لكل وادي مجرى رئيسي، ثم جعلوا لهذا المجرى الرئيسي حرما بحدود مبنية حوافها بالحجر، ويمتد البناء لآلاف الأمتار.
ثم استثمروا الأرض الزراعية حول هذا المجرى المصمم بكفاءة في الأخذ والعطاء. تفاعل وتعايش وتخطيط بيئي وفق قواعد لعبة البيئة وليس لعبة الإنسان صاحبها.
أدعو إلى الحفاظ على حدود الأودية صغيرها والكبير، هي مسارات تنقل مياه الأمطار بطرق مهارية تراثية تفرض نفسها، بمعايير لتعظيم الاستفادة لصالح الأرض وإنسانها. منع التطاول والاعتداء عليها ضرورة لصالح الأجيال.
أدعو إلى تعميم التراث المهاري لاستثمار بقية الأودية المشاعة، وفق استراتيجية وخطط وبرامج تضمن استدامة منفعة مياه الأمطار بيئيا وزراعيا. ويستمر الحديث.
@DrAlghamdiMH
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة صحيفة اليوم ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من صحيفة اليوم ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.