اقتصاد / صحيفة الخليج

إذ تدعم الدولار

د. محمد الصياد*

تقوم في الآونة الأخيرة بتوظيف هيمنة الدولار على عمليات التداول النقدي العالمية، من أجل تجنب حدوث عدم الاستقرار المخطط له والأزمات الناشئة عن ارتفاع الأسعار، وبما يؤمن أيضاً إمدادات السلع والطاقة للصين على الأمد الطويل بالعملة الصينية.
كيف تفعل الصين ذلك؟ بهدوء، قامت الصين بإصدار سندات سيادية صينية بالدولار الأمريكي في المملكة العربية ، سرعان ما أقبل على شرائها فوراً المستثمرون الدوليون، باكتتاب تجاوز 19.9 مرة. فتكون الصين بذلك تقترض الدولار الأمريكي بسعر سيادي أقل من نصف سعر سندات الخزانة الأمريكية لمدة 10 سنوات. وبالأموال التي جمعتها من هذه العملية، تقوم الصين بتمويل دول الجنوب العالمي الواقعة على حافة التخلف عن سداد القروض بالدولار الأمريكي، بما يمكنها من سداد خدمة ديونها بالدولار الأمريكي، ومنع الأزمات والتخلف عن السداد على غرار ما حدث لها في ثمانينيات القرن الماضي. في المقابل، تحصل الصين على صفقة للطاقة والسلع الرخيصة من دول الجنوب العالمي هذه التي تدفع قيمتها بعملتها الوطنية الرنمينبي. بينما ستقوم (الصين) بإعادة الدولارات الأمريكية التي جمعتها وستجمعها من عمليات طرحها للسندات للاكتتاب، إلى الولايات المتحدة لشراء سلع حقيقية. أي أن الصين ستعيد كل الدولارات الأمريكية عديمة الفائدة إلى الولايات المتحدة، لينتهي بها المطاف أدوات دفع داخل السوق الأمريكية لشراء وتملك أشياء حقيقية مثل الذهب والفضة والطاقة والسلع.
كما لو أن الصين تستخدم الدولار الأمريكي على الضد من الوظيفة التي أرادتها له أمريكا، وذلك «باللعب» ضمن قواعد نظام الدولار، في ذات الوقت الذي تعمل فيه بشكل استراتيجي على تقليص نسبة مجازفتها الاستثمارية، وزيادة «شعبية» استخدام العملة الصينية في عمليات الدفع الدولية، وإجبار الولايات المتحدة على الالتفات للقدرة الشرائية الحقيقية للدولار التي ستكشف حقيقتها عمليات استخدام الدولار الأمريكي لشراء سلع ومقتنيات داخل الولايات المتحدة. وقد تكون الصين تهدف من وراء ذلك إلى خلق بصمة نوعية في الجغرافيا السياسية المالية الدولية.
لكن، كيف مرت هذه المعاملات (Transactions) على غرف المقاصة في أمريكا؟ واقعاً هذه المعاملات لا تحتاج (حتى الآن) للمرور عبر غرف المقاصة الموجودة في الولايات المتحدة، لأنها تندرج ضمن المعاملات المقومة بالدولار (أو اليورو). لكن هذا الوضع يمكن أن يتغير في أية لحظة، لأن هناك أعضاء في الكونجرس متأهبين على الدوام لإصدار تشريعات ضد مثل هذه الحالات التي لم تعد بموجبها السوق الحرة والمنافسة مناسبتين لقطاعات الأعمال الأمريكية.
أيضا، لا ننسى أنه لا يزال يتعين على الصين سداد قيمة وفائدة السندات الدولارية التي أصدرتها، لمشتريها، عند استحقاقها (3 سنوات، 5 سنوات). لذا فإن الدولار الأمريكي سينتهي به المطاف خارج الولايات المتحدة. هذا صحيح، إنما في الوقت نفسه، سيتم استخدام الدولار الأمريكي لشراء الأصول/السلع الأمريكية داخل أمريكا، ما سيؤدي إلى استشعار الأمريكيين لجرعة أعلى للتضخم، توازياً مع مساعدة الصين للدول النامية المدينة على تجنب وضع التخلف عن السداد (Default). أي أن العملية برمتها تضع كلاً من الرنمينبي الصيني والدولار الأمريكي في وضع «منه» (Debt) في المحاسبة القانونية، بما يعرض قيمتهما للانخفاض مقابل احتياطيات الملاذ الأخير «Last resort»، أي الذهب والفضة والسلع الأساسية، خلال فترة إتمام هذه العملية. أيضاً، فإن حائزي هذه السندات السيادية الصينية، سوف يستخدمونها كضمان لمشاريع التكنولوجيا والبنية التحتية الصينية في المملكة العربية السعودية وبلدانهم الأصلية.
بهذه الطريقة (إصدار وبيع السندات السيادية الصينية في السعودية)، يمكن للصين مساعدة المملكة بشكل مباشر في بناء السكك الحديدية والجسور والمباني والمتنزهات الصناعية المفتوحة، وحتى المساعدة في بناء المنشآت الرياضية التي سوف تستضيف بطولة كأس العالم التي سوف تستضيفها السعودية في عام 2034. الولايات المتحدة لا تستطيع فعل هذه الأشياء. الصين هي الدولة الأقدر وصاحبة الخبرة الدولية في مجال الاستثمار الإنتاجي في المشاريع (Project investment) التي تستطيع القيام بذلك.
وعلى الرغم من تقديم عوائد أقل مقارنة بسندات الخزانة الأمريكية، فقد اجتذبت السندات الصينية المقومة بالدولار اهتماماً كبيراً من المستثمرين بسبب الطلب القوي، والتوقعات الاقتصادية الإيجابية للاقتصاد الصيني، والمزايا الضريبية للمستثمرين الصينيين. وبالنسبة للمستثمرين العالميين، توفر السندات الصينية فوائد التنويع، ما يسمح لهم بتقليل الاعتماد على الأصول الأمريكية وتعزيز استقرار المحفظة. ويعكس إصدار هذه السندات في المملكة العربية السعودية، المستوى الرفيع الذي بلغته العلاقات الاقتصادية بين الصين والسعودية، ما يجعل هذه السندات أكثر جاذبية للمستثمرين. وقد تؤثر هذه التطورات بشكل كبير في المشهد الاقتصادي العالمي، بما في ذلك دفع الولايات المتحدة لتعزيز سياساتها المالية وتعديل نهجها تجاه التجارة والتمويل الدوليين. كما أن استمرار الصين في هذا التوجه التمويلي العالمي، من شأنه المساهمة في إعادة تشكيل مستقبل العلاقات الاقتصادية الدولية واستراتيجيات الاستثمار.
* خبير بحريني في العلاقات الاقتصادية الدولية

ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة صحيفة الخليج ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من صحيفة الخليج ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.

قد تقرأ أيضا