يُعرف أن استهلاك الكحول بكميات مفرطة قد يسبب أمراض الكبد، لكن ماذا عن تأثيراته في الدماغ؟ قد تتجلى بعض التأثيرات في كثرة السقوط والتلعثم في الكلام، وهي واضحة إلى حد ما، لكن على المدى الطويل، قد يكون تأثير الكحول أكثر خفاءً.
التأثيرات قصيرة المدى للكحولوفقًا لدراسة أجراها الباحث مايكل دي فورست، يسبب الكحول تعطيل عمل مضخة الصوديوم والبوتاسيوم على سطح الخلايا العصبية، ما يؤدي إلى اضطراب توازن أيونات الصوديوم والبوتاسيوم. ويتمثل ذلك بتأثيرات مختلفة:
الحديث
وفقًا لمراكز الإدمان الأمريكية، يظهر هذا التأثير عادةً عند بلوغ نسبة الكحول في الدم (BAC) مستوى 0.1% (مع العلم أن الحد القانوني للقيادة في الولايات المتحدة لمن هم فوق 21 عامًا هو 0.08).
يُؤثر الكحول على توازن ناقلين عصبيين رئيسيين في الدماغ وهما: الغلوتامات الذي يعد محفّزًا، وحمض الغاما-أمينوبيوتيريك (GABA) الذي يُعد مثبّطًا. عند ارتفاع مستوى GABA وانخفاض الغلوتامات، تُبطئ الخلايا العصبية من وتيرة إرسال إشاراتها، ما يؤدي إلى تأخير الاستجابات. ولهذا السبب يمتلك الكحول تأثير المهدئ، وعند عودة مستويات هذه النواقل إلى طبيعتها يكون هذا أحد أسباب الشعور بما يُسمى قلق الثمالة.
عندما يصيب هذا الخلل المناطق المسؤولة عن التحكم الحركي، فإنه يعوق حركة العضلات الإرادية في اللسان والوجه، ما يُصعّب نطق الكلمات بوضوح، وينتج عنه كلام غير مفهوم.
قد يؤثر الكحول مباشرةً في مناطق الدماغ المسؤولة عن معالجة اللغة وإنتاج الكلام، ما يعني أن من يتلعثم بكلامه بسبب الكحول قد لا يستوعب بالمقابل ما يُقال له.
التوازن
يُعد اختلال التوازن من أبرز علامات التسمم الكحولي، إذ يظهر في شكل ترنح، تعثر، وسقوط متكرر، فكما يحدث اضطراب الكلام عند اختلال عمل العصبونات الحركية، يتأثر المشي والتوازن بنفس الآلية، فقد أشارت دراسة من عام 2015 إلى أن الكحول يؤثر في خلايا بوركنجي في المخيخ، وهي المسؤولة عن تنسيق المعلومات البصرية والمكانية، ما يسبب اضطرابات في الحركة والتوازن والمشي.
يُلاحظ هذا التأثير عادةً عندما تصل نسبة الكحول في الدم إلى 0.18 – 0.25%، وهي نسبة تتجاوز بكثير الحد القانوني للتسمم. عند هذا المستوى، يؤثر الكحول في جميع أجزاء الدماغ تقريبًا.
الذاكرة
يُشار إلى فقدان أجزاء من الوقت بسبب الكحول بمصطلح فقدان الوعي الكحولي. قد يجد الأشخاص أنفسهم في أماكن جديدة دون أي ذكرى عن كيفية وصولهم إليها، حتى لو تضمنت الرحلة ركوب طائرة، أو قد يتعرضون لمواقف خطيرة دون أي إدراك لما حدث.
يُعتقد أن تأثير الكحول على الحُصين (Hippocampus) هو السبب في ذلك، إذ تُعد هذه المنطقة أساسية في تكوين الذكريات الجديدة. ولا يتعلق الأمر بالنسيان، بل بعدم تسجيل الذكريات من الأساس.
في الستينيات أجرى الباحث دونالد جودوين سلسلة تجارب على أشخاص يعانون من إدمان الكحول (بعضهم لديه تاريخ من فقدان الذاكرة)، وفيها قدم كميات كبيرة من الكحول لهم قبل إجراء اختبارات الذاكرة. من الواضح أن مثل هذه التجارب لا يمكن أن تحصل اليوم بسبب القيود الأخلاقية.
كبح التصرفات
يُعد فقدان الذاكرة بسيطًا بالنظر إلى تأثيرات الشرب قصيرة المدى الأخرى، إذ يُضعف الكحول الحكم المنطقي ويقلل من الموانع السلوكية، ما يجعل الشخص أكثر اندفاعًا لفعل أشياء ما كان ليفعلها إطلاقًا.
في هذه الحالة يؤثر الكحول في القشرة الجبهية، التي تتحكم في التفكير المنطقي واتخاذ القرارات والمهارات المعرفية العليا التي تميز البشر عن الكائنات الأخرى.
لكن الدراسات لا تقترح أن الكحول يغير الشخصية بالكامل، بل يجعل الشخص أكثر احتمالًا للتصرف بطريقة غير واعية وغير سليمة.
التأثيرات طويلة الأمد للكحولعندما يصبح استهلاك الكحول مزمنًا وعلى مستوى مرتفع لفترة طويلة، قد يُسبب أضرارًا دائمة في الدماغ. ويتضمن ذلك:
الإدمان:
يُعد الكحول مادة مُسبّبة للإدمان، لكن ليس كل من يستهلكه يطور إدمانًا عليه. وبحسب المعهد الوطني لإساءة استخدام الكحول والإدمان (NIAAA)، توجد ثلاث آليات رئيسية تدفع إلى اضطراب استخدام الكحول (AUD):
- تنشيط دائرة المكافأة في الدماغ، إذ يتحكم الدوبامين في الشعور بالمكافأة، ما يجعل بعض الأشخاص أكثر عرضة لزيادة الاستهلاك.
- تحوّل الشرب إلى عادة لا تخضع للسيطرة الواعية، ما يجعل التوقف عنه صعبًا جدًا.
- التخفيف المؤقت للألم والتوتر بتقليل نشاط اللوزة الدماغية، ما يدفع الشخص إلى الشرب المتكرر لاستعادة هذا التأثير المهدئ.
التهاب الدماغ فيرنكي:
وهي من الحالات التي قد يتعرض الأشخاص المصابين باضطراب استخدام الكحول لها بسبب نقص فيتامين B1 (الثيامين). إذ يعيق الكحول امتصاص الثيامين وتخزينه ومعالجته بشكل صحيح، ويُعد الثيامين ضروريًا لعدة عمليات استقلابية داخل الخلايا العصبية، وبدونه قد تموت هذه الخلايا. وتشمل الأعراض الرئيسية لالتهاب الدماغ فيرنكي:
- تغيرات في الحالة العقلية.
- مشكلات في المشي قد تؤدي إلى فقدان القدرة عليه.
- اضطرابات في حركة العين، وخاصة الرأرأة (اهتزاز العينين بشكل لا إرادي).
- إذ تأخر علاج هذه الحالة، قد تتفاقم إلى متلازمة كورساكوف.
متلازمة كورساكوف
هي حالة مزمنة تتبع التهاب الدماغ فيرنكي عادةً، وتُعرفان معًا أحيانًا باسم متلازمة فيرنكي-كورساكوف (WKS). وأبرز أعراضها:
- فقدان الذاكرة قصيرة المدى (في بعض الحالات، ضعف الذاكرة طويلة المدى أيضًا).
- عدم إدراك المصاب بحالته، إذ يستطيع المصابون متابعة المحادثات الاجتماعية بطريقة طبيعية حتى مع وجود العرض الأول.
- مع مرور الوقت، قد تتأثر الأعصاب المسؤولة عن وظائف أخرى مثل ضغط الدم والقلب.
وفقًا للمنظمة الوطنية للاضطرابات النادرة، فإن 10-20% من المصابين بـ(WKS) يدخلون في غيبوبة وينتهي بهم الأمر بالوفاة.
هل يمكن عكس تلف الدماغ الناتج عن الكحول؟تُعد متلازمة فيرنكي-كورساكوف (WKS) أحد أشد أشكال التلف الدماغي الناتج عن الكحول، ترتبط عادة باضطراب استخدام الكحول لفترة طويلة، ولكن حتى الشرب المفرط لمرة واحدة قد يُضعف وظائف الدماغ بشكل ملحوظ، ولو مؤقتًا.
تقول مختصة الإدمان الدكتورة أماندا ن. دونالد: «لا يوجد مستوى آمن محدد من الشرب».
لكن الدماغ لديه قدرة على التعافي، إذ يمكن استعادة بعض الوظائف عند التوقف عن استهلاك الكحول. أظهرت دراسة حديثة أن الأشخاص المصابين باضطراب استخدام الكحول استعادوا سمك القشرة الدماغية بُعيد 7 أشهر من الامتناع عن الكحول، بينما تحسّن الإدراك لدى البعض بعد 18 يومًا فقط من الامتناع.
اقرأ أيضًا:
تقرير جديد يكشف: الكحول عامل رئيسي في الإصابة بستة أنواع قاتلة من السرطان
معدل ذكاء الشخص في المرحلة الثانوية يتنبأ بتعاطيه الكحول لاحقًا!
ترجمة: رنيم قرعوني
تدقيق: يامن صالح
مراجعة: محمد حسان عجك
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة انا اصدق العلم ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من انا اصدق العلم ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.