11 فبراير 2025, 3:30 مساءً
في ظل التنافس العالمي المتصاعد للسيطرة، وتحديد ملامح الهيمنة في القرن الواحد والعشرين، تتبنى الصين سياسة جريئة تبني من خلالها تحالفات فضائية استراتيجية مع دول أفريقيا، فقد أبرمت الصين العديد من الاتفاقيات الثنائية التي تتيح لها تقديم تبرعات تقنية واستثمارات ضخمة في الأقمار الصناعية ومحطات المراقبة الأرضية، مما يمنحها إمكانية الوصول إلى البيانات الحيوية التي تُجمع عبر هذه التقنيات. وعلى مشارف القاهرة، تم افتتاح مختبر فضائي يُفترض أن يكون أول منشأة إفريقية لإنتاج الأقمار الصناعية، إلا أن المكونات تأتي من بكين وتُشرف عليها فرق صينية متخصصة. وبالرغم من تسويق المشروع كإنجاز إفريقي، فإن الجزء الأكبر من الخبرة والتقنيات يعود إلى الصين، حيث تم تجميع أول قمر صناعي في المصنع الذي انطلق من قاعدة فضائية صينية في ديسمبر 2023.
كما تُعد هذه المبادرة جزءًا من استراتيجية بكين الأوسع لتوسيع نفوذها في القارة الأفريقية، حيث تعمل على إقامة شبكة مراقبة عالمية تُعزز من قدراتها العسكرية والاستخباراتية. ومن المقرر أن تخصص الحكومة الصينية ما يقارب 50 مليار دولار خلال السنوات الثلاث المقبلة لتمويل مشاريع فضائية واستكشافية في أفريقيا، مما يعكس جدية خطتها في مواجهة الهيمنة الأمريكية في هذا القطاع الحيوي، وفقاً لـ"رويترز".
معونة متراجعة
على الجانب المقابل، تتخذ الإدارة الأمريكية التي يقودها الرئيس دونالد ترامب منهجًا مختلفًا، حيث تركز على تقليص الدعم المالي والمعونات الخارجية للدول النامية. ففي إطار إعادة تقييم أولويات السياسة الخارجية، تم تعليق معظم المساعدات الأجنبية، مما أدى إلى تقليل الحضور الأمريكي في أفريقيا وتراجع تأثيره في بناء القدرات التكنولوجية والاستراتيجية لدى هذه الدول. ووفقًا لتصريحات مسؤولين أمريكيين، فإن التركيز الآن ينصب على تعزيز القدرات العسكرية الداخلية، خاصة من خلال تطوير قوة الفضاء الأمريكية وشراكاتها مع شركات الفضاء الخاصة مثل سبيس إكس.
ويُعتبر هذا التراجع في الدعم الأميريكي بمثابة فرصة لبكين لتعزيز علاقاتها مع الدول الأفريقية، والتي بدأت تشعر بأن المساعدات الغربية لم تعد تلبي احتياجاتها الاقتصادية والتكنولوجية، مما جعلها تنظر إلى الشريك الصيني بعين الثقة كبديل استراتيجي يوفر لها الدعم اللازم للنهوض بصناعاتها الفضائية.
رؤية مستقبلية
ومن الناحية الجيوسياسية، تُعيد الصين تشكيل خريطة النفوذ العالمي من خلال هذه الخطوات الفضائية. إذ تكسب بكين من خلال تحالفاتها في أفريقيا القدرة على رصد الأنشطة العسكرية الأمريكية في مختلف أنحاء العالم، وهو ما يُضفي عليها ميزة استراتيجية مهمة في ظل السباق الفضائي العالمي. وتُعتبر هذه التحالفات جزءًا من مفهوم "القوة الناعمة" الذي تتبناه بكين، إذ تُستخدم الاستثمارات التكنولوجية والدبلوماسية الاقتصادية كأدوات لتعزيز حضورها الدولي دون اللجوء إلى أساليب التدخل المباشر في الشؤون الداخلية للدول.
وبالمقابل، يُظهر التراجع الأمريكي في تقديم المعونات الخارجية تحولًا في السياسات الأمريكية نحو التركيز على الدفاع الداخلي وتعزيز القدرات العسكرية، وهو ما قد يترك فراغًا يمكن للدول ذات الرؤية الاستراتيجية مثل الصين وروسيا أن تملأه. وفي هذا السياق، تتجلى أهمية تبني استراتيجيات شاملة تجمع بين الاستثمار التكنولوجي والدبلوماسية الاقتصادية لتأمين مصالح الدول النامية وتعزيز الاستقرار الإقليمي.
تنافس عالمي
ويتضح من هذه التطورات أن المنافسة على الفضاء لم تعد مقتصرة على الجانب التقني فحسب، بل أصبحت ساحة للصراع على النفوذ الدولي وإعادة ترتيب موازين القوى العالمية. وبينما تُركز الصين على بناء شبكة تحالفات فضائية في أفريقيا وتقديم الدعم اللازم لتطوير الصناعات المحلية، تسعى الإدارة الأمريكية إلى إعادة هيكلة سياساتها الخارجية عبر تقليص المساعدات والتركيز على القدرات العسكرية، مما يُعيد رسم خريطة التنافس بين القوى الكبرى في الفضاء وفي شتى المجالات الاستراتيجية.
وتُبرز هذه السياسات اختلاف الرؤى والنهج بين الصين والولايات المتحدة؛ فبينما تعتبر الصين أن الاستثمارات التكنولوجية والدعم الفني يشكلان الركيزة الأساسية للنمو المستدام، ترى الولايات المتحدة أن الأولوية تكمن في تعزيز القدرات العسكرية وتأمين المصالح الوطنية من خلال تقليص الالتزامات الخارجية. وقد يؤدي هذا الانقسام في السياسات إلى تغيير معالم النفوذ العالمي، خاصةً إذا استمرت الدول النامية في تبني النموذج الصيني الذي يجمع بين التنمية الاقتصادية وعدم التدخل في الشؤون السياسية.
ويتبين أن المستقبل يحمل تحديات كبيرة على الصعيدين السياسي والتقني، حيث يصبح من الضروري لصانعي السياسات في جميع أنحاء العالم – من أمريكا إلى أفريقيا ومن الصين إلى أوروبا – أن يتبنوا استراتيجيات انخراط متوازنة تُعزز من الاستقرار والازدهار دون إفلات أحد الأطراف من الرقابة أو المراقبة الاستراتيجية. قد تكون النتائج إيجابية إذا ما تمكَّنت الدول من إيجاد توازن يضمن مصالحها المشتركة ويصون سيادتها الوطنية.
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة صحيفة سبق الإلكترونية ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من صحيفة سبق الإلكترونية ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.