تم النشر في: 07 فبراير 2025, 12:24 مساءً الإساءات الوالدية أمر خطير مما لا يقبل الشك، ولها أبعاد نفسية سلبية كثيرة على الطفل. ليست على نظرته لنفسه واحترامه لذاته فقط، بل على قدرته على الإنجاز والتقدم في الحياة، كما أثبتت حالات ودراسات علمية كثيرة. وعلى الرغم من تلك الأضرار على ذات الطفل، يوجد ما هو أخطر، ألا وهو: "اعتياد فكرة الأذى وتقبّل مساحة الإساءة من الآخر في حياته"!! فيكبر ذلك الطفل بصورة مشوهة عن ميدان العلاقات، ويتحمّل التعامل السامّ والتعدّي، والعطاء غير المتبادل في أنواع العلاقات والصداقات التي يدخل فيها مستقبلاً، والسبب بكل بساطة أنه اعتاد مثل تلك التعاملات! بل قد يدفعه ابتداءً ذلك الاعتياد في اختياره لتلك العلاقات المشوهة رغم أذيتها له، لأنّها اللغة التي اعتادها عقله، والتعامل الذي نشأ عليه، فصار نمطاً مألوفاً مستساغاً، وكلّ مألوفٍ يبدو مريحاً تقبل عليه النفس أكثر. ويمضي ذلك الضحيّة في هذه الحياة مثقلاً بأعباء وأثقال لا ينبغي له أن يحملها في علاقاته. ولكنّ الخوف من الإقصاء، أو الرغبة في إرضاء الآخرين تدفعه للاستمرار بدون وعي منه، حتى يدمن ذلك النمط المشوّه، ويصعب انتشاله منه مهما حاولت نصيحته. إلى أن تأتي برحمة من الله لحظة وعي، أو غَمرة ألمٍ فادحة تجعله يستيقظ ويدرك أن ثمّة خطأ ما في ديناميكة العلاقة، فيبدأ رحلة البحث والتصحيح في مسار علاقاته واختياراته ومواقفه فيها. والمؤسف أنّه إن لم تأت تلك اللحظة التصحيحية، قد يبقى طوال حياته أسيرًا لتلك المسارات الخاطئة عالقاً فيها للأبد. وهنا يا كرام عندما نعي خطورة الأمر وعمقه، يدفعنا ذلك لمراجعة أساليب التعامل اليومية مع أطفالنا، حتى لا نسبب لهم تبعات الإساءة الوالدية. ولا يعني ذلك أن لا نسمح لأنفسنا بالخطأ، فذلك مَحال، ولكن المهم أن نفحص روح العلاقة مع أبنائنا ومشاعرهم، ونقيس تكرار الأخطاء وثقلها: هل وصلت لحدّ الإساءة التي يمكن أن تؤذي ذلك الطفل بحق؟ أم أنّها مازالت مهاترات وهفوات طفيفة يغلبها الحب والمشاعر الطيبة والأريحية؟ كن واعياً ولا تسمح لنفسك أن تكون المتنمر الأول على طفلك بغرض تعديل سلوكه، وتحسين عادات أكله ونومه وشربه، لا تهدم الأساس من أجل بضع لُقيمات: - "لازم تأكل عشان تصير طويل، أنت أقصر واحد في أصدقائك!". - "لازم تخلص صحنك، أنت مرة ضعيف وشكلك هزيل". - "أنت دايم كسلان ما تحل واجباتك زي فلان وعلان". وغيرها من جمل تحطيمية لا تزيد المشكلة إلا سوءاً وتجذراً، لا سيّما عند تكرار مثل تلك العبارات بشكل مستمر عند الانفعال والضغوط. ولا تسمح لنفسك أن تهمل مشاعر ذلك الطفل، مهما بدت غير منطقية في نظرك، كل ما تحتاج إليه هو أن تصادق تلك المشاعر وتظهر تعاطفك وتفهمك لها، فتكرار مثل ذلك السلوك يجعل الطفل أكثر وعياً بمشاعره وأكثر قدرة على التعامل معها وتجاوزها مستقبلاً، وعلى العكس فتصغيرها وتهميشها: - "يكفي صياح بلا بزارة ماتسوى كلها لعبة". - "أنت بيبي تصيح؟". - "ماعليك منها خليها تصيح شوي وتسكت". تذكّر إذا اعتاد طفلك أن تكون مشاعره غير مهمّة، وتقديره لنفسه محطّماً، يعني ذلك؛ أنه سيعتاد على قالب مضمور يدخل به العلاقات القادمة في حياته!! وستكون عندها مشاعر الآخرين أهمّ من مشاعره، وسيكبر حجم الآخرين وقدرهم، ليفوق قدره لذاته التي اعتادت التصغير والتحطيم. اجعله يعتاد التقدير لرأيه وشكله وأفكاره ومشاعره، فتقديره لذاته هي بوتقة لحماية نفسه من أي أذية كانت، فيمنعها من الدخول ولا يصدقها ولا يسمح لها أن تتزايد. وحتى تتمكن من فعل ذلك تذكر أن لا تكون أن المسيء الذي يفتح الباب لمزيد من التجاوزات على ذلك الطفل مستقبلاً. أحكم إغلاق الباب بحكمتك، وحسن علاقتك مع أطفالك وتعاملك الدافئ الحنون، المفعم بالتشجيع والتقدير والاستماع والتقبّل، فإذا فعلت ذلك تكون أوصدت الباب من خلفك، وكنت الحامي له بعد الله من تلك البقاع المؤلمة.