اقتصاد / صحيفة الخليج

تداعيات اتفاقية المعادن بين أمريكا وأوكرانيا

د. رامي كمال النسور *

وافقت كييف على اتفاقية مع واشنطن بشأن اتفاقية المعادن التي يأمل المسؤولون الأوكرانيون أن تعمل على تحسين العلاقات مع الإدارة الأمريكية، وتمهد الطريق لالتزام أمني طويل الأجل من جانب الولايات المتحدة.
ووفقاً للمسؤولين الأوكرانيين، فإن كييف أصبحت جاهزة لتوقيع الاتفاقية الخاصة بتطوير مواردها المعدنية بشكل مشترك، بما في ذلك النفط والغاز، بعد أن تخلت الولايات المتحدة عن مطالبها بالحصول على 500 مليار دولار من العائدات المحتملة لاستغلال هذه الموارد.
وتنص الصفقة المعدلة على تدشين صندوق تُسهم أوكرانيا فيه بنسبة 50% من عائدات استغلال الموارد المعدنية المملوكة للدولة، بما في ذلك النفط والغاز والبنية التحتية المرتبطة بهما، وسيتم استثمار أموال هذا الصندوق في مشاريع داخل أوكرانيا.
تمثل اتفاقية المعادن بين الولايات المتحدة وأوكرانيا تطوراً جيوسياسياً واقتصادياً كبيراً في سلسلة التوريد العالمية للمعادن الحيوية. وتهدف هذه الاتفاقية لتعزيز قطاع التعدين في أوكرانيا والحد من اعتماد الولايات المتحدة على الإمدادات المعدنية الصينية والروسية، ولها عواقب بعيدة المدى على التجارة والاستقرار الاقتصادي العالمي.
وقبل التطرق إلى الانعكاسات والتداعيات الاقتصادية لهذه الاتفاقية أود المرور سريعاً على ماهية المعادن التي تحتويها الأراضي الأوكرانية. تُعدّ أوكرانيا قوة عالمية في مجال الموارد المعدنية، إذ تمتلك ما نسبته 5 في المئة من إجمالي هذه الموارد على مستوى العالم، وذلك بفضل تنوع تضاريسها الجيولوجية. وتقدّر قيمة احتياطياتها من المعادن النادرة والليثيوم، بما يتراوح بين 3 تريليونات و11.5 تريليون دولار، وفقاً لتقرير ل«المنتدى الاقتصادي العالمي». وتضم الأراضي الأوكرانية نحو 20 ألف مستودع طبيعي، تحتوي على 116 نوعاً من المعادن، كان يجري استغلال 15 في المئة منها فقط قبل الغزو الروسي، حسب تقرير ل«مركز الناتو للتميز في أمن ». وتمتلك أكبر احتياطيات التيتانيوم في أوروبا بنسبة 7 في المئة من الاحتياطيات العالمية. كما تحتل أوكرانيا مكانة متميزة في قطاع إنتاج الليثيوم، العنصر الأساسي في صناعة البطاريات والسيراميك والزجاج، إذ تمتلك واحداً من أكبر الاحتياطيات المؤكدة في أوروبا، بنحو 500 ألف طن.
أول هذه التداعيات الاقتصادية الرئيسية لهذه الاتفاقية فتتمثل في تنويع سلاسل توريد المعادن الحيوية. تعتمد الولايات المتحدة، مثل العديد من الاقتصادات الصناعية الأخرى، بشكل كبير على العناصر الأرضية النادرة والمعادن الاستراتيجية الأخرى لصناعاتها التكنولوجية العالية والدفاعية والطاقة المتجددة. ومن خلال الاستفادة من احتياطيات أوكرانيا المعدنية الضخمة - بما في ذلك الليثيوم والتيتانيوم واليورانيوم - تهدف الولايات المتحدة إلى تأمين مصدر أكثر استقراراً وتوافقاً سياسياً لهذه المواد. تقلل هذه الخطوة من التعرض لانقطاعات سلسلة التوريد المحتملة الناجمة عن التوترات الجيوسياسية مع وروسيا، وكلاهما يهيمن على السوق العالمية للمعادن الحيوية.
وبالنسبة لأوكرانيا، تقدم الاتفاقية شريانَ حياةٍ اقتصادياً ضرورياً للغاية. لقد أثر الصراع المستمر مع روسيا بشدة في القطاعات الصناعية والاقتصادية في البلاد.
إن زيادة الاستثمار في البنية التحتية والتكنولوجيا التعدينية من شأنها أن تنعش اقتصاد أوكرانيا، وتولد فرص العمل، وتعزز مكانتها كلاعب رئيسي في سوق المعادن العالمية. بالإضافة إلى ذلك، فإن التكامل الأكبر مع الأسواق الأمريكية والغربية من شأنه أن يسرّع من تعافي أوكرانيا بعد الحرب والنمو الاقتصادي الطويل الأجل.
كذلك فإنه من المرجح أن تعمل الاتفاقية على إعادة تشكيل أسواق المعادن العالمية، من خلال زيادة المنافسة والحد من الاعتماد على الصين، التي تسيطر حالياً على جزء كبير من قدرات معالجة المعادن الأرضية النادرة في العالم. ومع قيام أوكرانيا بتكثيف إنتاج المعادن وتعزيز الولايات المتحدة لبنيتها التحتية للتكرير والمعالجة، فقد تتغير الأسعار وديناميكيات السوق.
وقد يؤدي هذا إلى زيادة استقرار الأسعار وتقليل مخاطر سلسلة التوريد للصناعات التي تعتمد على هذه المواد الأساسية.
وعلى الرغم من فوائده المحتملة، يواجه الاتفاق العديد من التحديات والمخاطر. فالحرب الدائرة في أوكرانيا تشكل مخاطر كبيرة على عمليات التعدين، وتطوير البنية الأساسية، وثقة المستثمرين. بالإضافة إلى ذلك، يتطلب إنشاء سلسلة توريد وظيفية بالكامل، من الاستخراج إلى المعالجة والتصدير، استثماراً رأسمالياً كبيراً وتقدماً تكنولوجياً. وقد تظهر أيضاً مخاوف بيئية تحيط بأنشطة التعدين، مما يتطلب أطراً تنظيمية لضمان ممارسات الاستخراج المستدامة.
ختاماً تمثل اتفاقية المعادن بين الولايات المتحدة وأوكرانيا جهداً استراتيجياً لإعادة تشكيل سلاسل توريد المعادن العالمية، وتعزيز الأمن الاقتصادي، ودعم التعافي الاقتصادي في أوكرانيا.
ورغم التحديات القائمة، فإن الفوائد الطويلة الأجل المترتبة على الحد من الاعتماد على الدول المنافسة، وزيادة استقرار السوق، وتعزيز التحالفات الجيوسياسية تجعل من هذه الاتفاقية تطوراً محورياً في التجارة الدولية وإدارة الموارد. ومع تقدم التنفيذ، من المتوقع أن تستفيد الدولتان اقتصادياً واستراتيجياً، وهو ما قد يغير من المشهد في أسواق المعادن العالمية لسنوات قادمة.
* مستشار الأسواق المالية والاستدامة

ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة صحيفة الخليج ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من صحيفة الخليج ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.

قد تقرأ أيضا